للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية: ... أما قوله جل ثناؤه: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)، فمن صفة المنافقين، يقول الله لنبيه: يا محمد، بشر المنافقين الذين يتخذون أهل الكفر بي، والإلحاد في ديني أولياء – يعني: أنصاراً وأخلاء - من دون المؤمنين – يعني: من غير المؤمنين - أيبتغون عندهم العزة، أيطلبون عندهم المنعة والقوة باتخاذهم إياهم أولياء من دون أهل الإيمان بي؟، فإن العزة لله جميعاً، يقول: فإن الذين اتخذوهم من الكافرين أولياء ابتغاء العزة عندهم، هم الأذلاء الأقلاء ... (١).

ومعلوم أن موالاة الكفار مراتب (٢)، منها ما يصل إلى درجة الكفر الأكبر، ومنها دون ذلك، وما نشير إليه هنا هو الموالاة المخرجة من الملة التي يختص بها المنافقون وهي اتخاذهم أنصاراً وأعواناً على المؤمنين، أو الموالاة التامة لهم بالرضى عن دينهم أو تصحيح مذهبهم ونحو ذلك، يقول الإمام الطبري رحمه الله مبيناً ذلك عند تفسيره لقوله تعالى: لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:٢٨]. قال رحمه الله: لا تتخذوا أيها المؤمنون الكفار ظهراً وأنصاراً توالونهم على دينهم وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلونهم على عوراتهم، فإنه من يفعل ذلك فليس من الله في شيء، يعني بذلك: فقد برئ من الله وبرئ الله منه، بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر ... (٣). وذكر الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ضمن نواقض الإسلام: الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين؛ والدليل قوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٤).

ويقول الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ: وذلك الظلم يكون بحسب التولي، فإن كان تولياً تاماً، كان ذلك كفراً مخرجاً من دائرة الإسلام، وتحت ذلك من المراتب، ما هو غليظ، وما هو دونه (٥).

وهذه الموالاة تدل على فساد في اعتقاد صاحبها، خاصة من جهة منافاتها لعمل القلب من الحب والبغض، فالحب والبغض - كما هو معلوم - أصل الولاء والبراء، فمحبة المؤمنين تقتضي موالاتهم ونصرتهم، وبغض الكافرين يقتضي البراءة منهم ومن مذاهبهم وعداوتهم ومحاربتهم، فإذا عادى المرء المؤمنين وأبغضهم، ووالى الكافرين وناصرهم على المؤمنين فقد نقض أصل إيمانه. نواقض الإيمان الاعتقادية لمحمد بن عبدالله بن علي الوهيبي –بتصرف - ص: ٣٢٠


(١) ((تفسير الطبري)) (٩/ ٣١٩).
(٢) انظر: ((الولاء والبراء)) د. محمد القحطاني (٢٣١ - ٢٤٧).
(٣) ((تفسير الطبري)) (٦/ ٣١٣).
(٤) ((الرسائل الشخصية)) (ص: ٢١٣).
(٥) ((تفسير كلام المنان)) (٧/ ٣٥٧)، وانظر: (٢/ ٣٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>