للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: ذكر الشروط غير المعتبرة]

١) العدالة:

ذهب قوم إلى اشتراط العدالة مستدلين بما يأتي:

١ - قوله تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران: ١٠٤] قالوا: فالفاسق ليس من المفلحين، فيجب أن يكون الآمر الناهي غير فاسق.

٢ - قال تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [البقرة: ٤٤] فأنكر عليهم أمرهم بالشيء وواقعهم يخالفه. ولذا قال بعض الأنبياء لأقوامهم: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ .. [هود: ٨٨] وقال تعالى: لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف: ٣ - ٤].

واستدلوا بقوله –صلى الله عليه وسلم-: ((يؤتى بالرجل فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه .. )) (١) إلخ قالوا: فهذا كان معاقب لكونه يأمر وينهى ولا يأتمر وينتهي بنفسه.

الجواب عما استدلوا به: يمكن أن يجاب عن الآية الأولى بأن الفلاح المذكور حاصل حتى للفاسق فإنه لا يكون مخلداً في النار.

أو يقال: بأن هذا ورد على سبيل التغليب، لأن الغالب أن لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من أصلح أحوال نفسه. فالعاقل يقدم ما يصلحها على ما يصلح غيره في الآجل.

وأما الجواب عن النصوص التي تضمنت الإنكار والوعيد لمن يأمر ولا يمتثل فيقال: قد اجتمع في هذا الموضع على المكلف واجبان:

الأول: الامتثال لأمر الله تعالى.

الثاني: حث الناس على ذلك وأمرهم به وتحذيرهم ونهيهم عما خالفه.

فإذا قصر في أحد هذين فإن ذلك لا يعني سقوط الآخر عنه .. فإن ترك الأمر والنهي بقي عليه الامتثال .. وإن ترك الامتثال بنفسه بقي عليه الأمر والنهي (٢).

هذا وقد وقع الذم في تلك النصوص والوعيد على ارتكاب ما نهى عنه الناهي عن المنكر، ولم يقع الذم على نفس النهي عن المنكر، بل هذا يحمد ولا يذم فهو طاعة لله عز وجل وقربة، ولا شك أن وقوع المنكر ممن ينهى عنه أقبح من وقوعه ممن لا يعلم أنه منكر أو علم ولم يدع إلى تركه. وهذا لا يعني إعفاءه من الأمر والنهي كما تقدم (٣).

وبهذا تعلم أن التوبيخ إنما وقع على نسيانهم لأنفسهم من المعروف الذي أمروا به، وليس التوبيخ على أمرهم ونهيهم (٤).

قال ابن العربي: (وليس من شرطه أن يكون عدلاً عند أهل السنة (٥)، وقالت المبتدعة: لا يغير المنكر إلا عدل. وهذا ساقط، فإن العدالة محصورة في قليل من الخلق، والنهي عن المنكر عام في جميع الناس) (٦) ا. هـ.

ومن المعلوم لديك أن شروط الطاعات لا تثبت إلا بالأدلة (٧).


(١) رواه البخاري (٣٢٦٧)، ومسلم (٢٩٨٩).
(٢) انظر: ((تفسير الفخر)) (٣/ ٤٧)، (٨/ ١٦٨)، ((الفتح)) (١٣/ ٥).
(٣) انظر: ((القرطبي)) (٤/ ٤٧ - ٤٨)، (٦/ ٣٤٥).
(٤) انظر: ((المنهاج للحليمي)) (٢/ ٢١٨)، ((أحكام القرآن)) لابن العربي (١/ ٢٦٦)، ((ابن عطية)) (٥/ ١٦٦)، ((النووي على مسلم)) (١/ ٢/٣٢)، و ((ابن كثير)) (١/ ٨٦)، ((المرقاة)) (٩/ ٣٢٩)، ((الألوسي)) (١/ ٢٤٨) (٤/ ٢٣)، ((السعدي)) (١/ ٣٨) ((صفوة الآثار)) (٤/ ٢٧٢ - ٢٧٣)، ((أصول الدعوة)) (١٧٢ - ١٧٤).
(٥) ((غذاء الألباب)) (١/ ٢١٥ - ٢١٩).
(٦) ((أحكام القرآن)) لابن العربي (١/ ٢٦٦)، وانظر: ((القرطبي)) (٤/ ٤٧ - ٤٨) وراجع: (٦/ ٣٤٥).
(٧) ((أحكام القرآن)) لابن العربي (١/ ٢٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>