للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: مرتبة الإحسان]

حقيقة الإحسان لغة وشرعا، وبيان ركنه العظيم:

أ- الإحسان لغة: مصدر أحسن يحسن إحسانا، وهو ضد الإساءة، وهو إجادة العمل وإتقانه وإخلاصه. ويطلق على معنيين:

الأول: متعد بنفسه، كقولك: أحسنت كذا، وفي كذا، إذا حسنته وكملته.

الثاني: متعد بحرف جر، كقولك: أحسنت إلى كذا، أي: أوصلت إليه ما ينتفع به (١).

ب- الإحسان شرعا: يطلق على نوعين:

النوع الأول: إحسان إلى عباد الله. وهو على قسمين (٢):

القسم الأول: واجب، وهو أن تقوم بحقوقهم الواجبة على أكمل وجه. مثل بر الوالدين، وصلة الأرحام، والإنصاف في جميع المعاملات. ويدخل في هذا القسم: الإحسان للبهائم، والإحسان في القتل، لما في صحيح مسلم من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته)) (٣).

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: (وهذا الحديث يدل على وجوب الإحسان في كل شيء من الأعمال، لكن إحسان كل شيء بحسبه، فالإحسان في الإتيان بالواجبات الظاهرة والباطنة: الإتيان بها على وجه كمال واجباتها، فهذا القدر من الإحسان فيها واجب، وأما الإحسان فيها بإكمال مستحباتها فليس بواجب.

والإحسان في ترك المحرمات: الانتهاء عنها، وترك ظاهرها وباطنها، كما قال تعالى: وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ [الأنعام: ١٢٠].فهذا القدر من الإحسان فيها واجب.

وأما الإحسان في الصبر على المقدورات، فأن يأتي بالصبر عليها على وجهه من غير تسخط ولا جزع.

والإحسان الواجب في معاملة الخلق ومعاشرتهم: القيام بما أوجب الله من حقوق ذلك كله، والإحسان الواجب في ولاية الخلق وسياستهم، القيام بواجبات الولاية كلها، والقدر الزائد على الواجب في ذلك كله إحسان ليس بواجب.

والإحسان في قتل ما يجوز قتله من الناس والدواب: إزهاق نفسه على أسرع الوجوه وأسهلها من غير زيادة في التعذيب، فإنه إيلام لا حاجة إليه. وهذا النوع هو الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث، ولعله ذكره على سبيل المثال، أو لحاجته إلى بيانه في تلك الحال).

القسم الثاني: الإحسان المستحب: وهو ما زاد على الواجب من بذل نفع بدني، أو مالي، أو علمي، فيساعد من احتاج إلى مساعدته ببدنه، أو بماله، أو بعلمه، فهذا كله داخل في باب الإحسان، وأجل أنواع الإحسان: الإحسان إلى من أساء إليك، كما قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت: ٣٤ - ٣٥].

النوع الثاني: الإحسان في عبادة الله عز وجل. وهو المراد هنا.


(١) ((الصحاح)) (٥/ ٢٠٩٩). و ((معجم مقاييس اللغة)) (٢/ ٥٧). و ((لسان العرب)) (١٣/ ١١٧). و ((القاموس المحيط)) (١٥٣٥). و ((المفهم)) (١/ ١٤٢). و ((فتح الباري)) (١/ ١٢٠).
(٢) ((بهجة قلوب الأبرار للشيخ عبد الرحمن السعدي)) (١٥٦). و ((شرح الأصول الثلاثة لابن عثيمين)) (١١٦). و ((حصول المأمول بشرح ثلاثة الأصول)) (١٣٨).
(٣) رواه مسلم (١٩٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>