للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: الفرق بين القضاء والقدر]

انقسم العلماء في ذلك إلى فريقين:

الفريق الأول: قالوا بأنه لا فرق بين القضاء والقدر، فكل واحد منهما في معنى الآخر، فإذا أطلق التعريف على أحدهما شمل الآخر، ولذلك إذا أطلق القضاء وحده فسر بالقدر، وكذلك القدر، فلا فرق بينهما في اللغة، كما أنه لا دليل على التفريق بينهما في الشرع.

الفريق الثاني: قالوا بالفرق بينهما، ولكن هؤلاء اختلفوا في التمييز بينهما على أقوال:

القول الأول: رأي أبي حامد الغزالي, أن هناك - بالنسبة لتدبير الله وخلقه - ثلاثة أمور:

١ - الحكم: وهو التدبير الأول الكلي، والأمر الأزلي.

٢ - القدر: وهو توجيه الأسباب الكلية بحركاتها المقدرة المحسوبة إلى مسبباتها المعدودة المحدودة، بقدر معلوم لا يزيد ولا ينقص (١).

القول الثاني: من فرق بينهما بأن القضاء: هو الحكم بالكليات على سبيل الإجمال في الأزل، والقدر: الحكم بوقوع الجزيئات التي لتلك الكليات على سبيل التفصيل (٢).

القول الثالث: أن القدر هو التقدير والقضاء هو التفصيل والتقطيع فالقضاء أخص من القدر الذي هو كالأساس (٣).

القول الرابع: ذكر بعض العلماء أن القدر بمنزلة المعد للكيل، والقضاء بمنزلة الكيل، وهذا كما قال أبو عبيدة لعمر رضي الله عنه لما أراد الفرار من الطاعون بالشام: (أتفر من القضاء؟ قال: أفر من قضاء الله إلى قدر الله) (٤) تنبيهاً على أن القدر ما لم يكن قضاء فمرجو أن يدفعه الله, فإذا قضي فلا مدفع له (٥)

والاستشهاد بالحادثة ضعيف لأنها لم ترد بهذا اللفظ

القول الخامس: قول الماتريدية وقد فرقوا بينهما: بأن القضاء هو الخلق الراجع إلى التكوين، أي: الإيمان على وفق القدر السابق، والقدر هو ما يتعلق بعلم الله الأزلي، وذلك بجعل الشيء بالإرادة على مقدار محدد قبل وجوده (٦).

القول السادس: قول الأشاعرة وجمهور أهل السنة:

أ- أن القضاء هو إرادة الله الأزلية المتعلقة بالأشياء على وفق ما توجد عليه في وجودها الحادث.

ب- والقدر إيجاد الله الأشياء على مقاديرها المحددة في كل ما يتعلق بها (٧)

هذه هي أهم الأقوال في الفرق بين القضاء والقدر، ونلخص منها إلى ما يلي:

١ - الذين فرقوا بينهما ليس لهم دليل واضح من الكتاب والسنة يفصل في القضية.

٢ - عند إطلاق أحدهما يشمل الآخر (٨) , وهذا يوحي بأنه لا فرق بينهما في الاصطلاح ولذا فالراجح أنه لا فرق بينهما.

٣ - ولا فائدة من هذا الخلاف، وعلى هذا فيكون التعريف السابق للقضاء والقدر شرعاً هو الراجح. القضاء والقدر لعبدالرحمن بن صالح المحمود - ص: ٣٠


(١) انظر: كتاب ((الأربعين في أصول الدين)) للغزالي (ص: ٢٤)، وانظر: ((الدين الخالص)) (٣/ ١٥٤).
(٢) انظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (١١/ ١٤٩، ٤٧٧)، وانظر: ((عمدة القاري)) لبدر الدين العيني (٢٣/ ١٤٥).
(٣) انظر: ((مفردات ألفاظ القرآن)) للراغب الأصفهاني (ص: ٤٢٢)، وانظر: ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (٩/ ٣٤٣).
(٤) رواه البخاري (٥٧٢٩)، ومسلم (٢٢١٩) بلفظ: (أفراراً من قدر الله؟ ... قال عمر: نفر من قدر إلى الله إلى قدر الله). من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
(٥) ((مفردات ألفاظ القرآن)) (ص: ٤٢٢).
(٦) انظر: ((العقائد النسفية مع شرحها)) (ص: ١١٢ - ١١٣)، و ((العقيدة الإسلامية وأسسها)) لعبدالرحمن حبنكة الميداني (٢/ ٤١٤)، و ((لمحات في وسائل التربية الإسلامية وغاياتها)) لمحمد أمين المصري (ص: ١٩٨)، و ((أركان الإيمان)) لوهبي الألباني (ص: ٣٠٣).
(٧) انظر: ((العقيدة الإسلامية وأسسها)) (٢/ ٤١٤)، و ((الدرر السنية)) (١/ ٢٥٥)، و ((الدين الخالص)) لمحمد صديق خان (٣/ ١٥٤).
(٨) انظر: ((تفسير فتح البيان في مقاصد القرآن)) لمحمد صديق خان (٧/ ٣٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>