للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الخامس: إبطال الزعم أن الصحابة والتابعين أقاموا العقيدة على أسس غير دقيقة باعتمادهم على أخبار الآحاد]

وقد ابتدع هذا القول فرق الابتداع على مختلف مشاربها، وأولهم المعتزلة؛ الذين حكموا عقولهم بالنصوص الشرعية، بزعم أن العقائد لا تثبت عندهم إلا إذا بلغ الخبر حد التواتر، وهذا الشرط الذي وضعوه كان دافعه المنهج المبتدع الذي اختطوه في رد معظم العقائد التي جاءت على لسان النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي لا ينطق عن الهوى.

يقول الشيخ عمر الأشقر: (والناظر في كلام سلفنا الصالح يعلم أنهم كانوا يثبتون العقائد بنصوص القرآن والحديث، لا يفرقون بين المتواتر والآحاد، ولا يفرقون في الاحتجاج بين العقائد والأحكام، ولم يعرف أحد خالف في هذا من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، ولا من الأئمة المرضيين؛ أمثال الأئمة الأربعة، وكان السلف الصالح وما يزال أتباعهم ينكرون أشد الإنكار على الذين يرغبون إلى ترك الأحاديث والنصوص، والاحتكام إلى العقل، ويسفهون من قال بذلك.

ونبتت نابتة ترفض الاحتجاج والأخذ بأحاديث الآحاد في العقائد, وعندما سئل هؤلاء عن مستندهم وجدناهم يستدلون بحجة الخوارج والمعتزلة، الذين رفضوا أحاديث الآحاد في العقائد والأحكام، فنراهم يقولون: الأحاديث الآحاد لا تفيد اليقين, والعقائد لا تبنى إلا على اليقين) (١)

وعلماء أهل السنة مجمعون على الأخذ بخبر الآحاد في العقائد قال الإمام الشافعي: (فقال لي قائل: احدد لي أقل ما تقوم به الحجة على أهل العلم؛ حتى يثبت عليهم خبر الخاصة؟ فقلت: خبر الواحد عن الواحد حتى ينتهي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو من انتهى به إلى دونه) (٢).

ثم يفصل قوله هذا، فيقول (٣): (فإن قال قائل: أذكر الحجة في تثبيت خبر الواحد بنص خبر، أو دلالة فيه، أو إجماع فقلت له: أخبرنا سفيان بن عبدالملك بن عمير عن عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((نضر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها، وأداها فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم، إخلاص العمل لله، والنصيحة للمسلمين, ولزوم جماعتهم؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم)) (٤) فلما ندب رسول الله إلى سماع مقالته، وحفظها، وأدائها إمرءاً يؤديها، والامرؤ واحد، دل على أنه لا يأمر أن يؤدي عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه، لأنه إنما يؤدي عنه حلال, وحرام يجتنب, وحد يقام، ومال يؤخذ ويعطى، ونصيحة في دين ودنيا) (٥).


(١) ((أصل الاعتقاد)) د. عمر الأشقر (١١ - ١٢) ط٣ الدار السلفية، الكويت.
(٢) ((الرسالة)) (ص:٣٦٩) ت أحمد شاكر – بدون تاريخ.
(٣) ((الرسالة)) (ص:٣٦٩) ت أحمد شاكر – بدون تاريخ
(٤) رواه الترمذي (٢٦٥٧)، وأحمد (١/ ٤٣٦) (٤١٥٧)، وابن حبان (١/ ٢٦٨) (٦٦)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (٢/ ٢٧٤) (١٧٣٨)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (٧/ ٣٨٦). وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال أبو نعيم: صحيح ثابت، وصححه ابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (١/ ٣٦٤).
(٥) ((الرسالة)) (ص:٤٠١ - ٤٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>