للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرع الثاني: أدلة مرتبة الخلق]

أي: أن الله تعالى خالق كل شيء, ومن ذلك أفعال العباد، فلا يقع في هذا الكون شيء إلا وهو خالقه ...

أدلة هذه المرتبة من القرآن الكريم:

١ - قال تعالى في قصة إبراهيم الخليل عليه السلام حيث كسر أصنامهم ثم جاء إليه قومه يناقشونه مسرعين فقال لهم كما حكى الله عنه: أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:٩٥ - ٩٦]، أي خلقكم وعملكم فتكون (ما) مصدرية، وقيل: إنها بمعنى الذي، فيكون المعنى: والله خلقكم وخلق الذي تعملونه بأيدكم وهو الأصنام (١) وقد ذكر ابن كثير القولين ثم قال: (وكلا القولين متلازم، والأول أظهر) (٢) وقد علل ذلك بما يؤيده من رواية البخاري في أفعال العباد عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يصنع كل صانع وصنعته)) (٣) , وتلا بعضهم عند ذلك وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:٩٦] , فأخبر أن الصناعات وأهلها مخلوقة فالله تعالى خالق الخلق وأفعالهم كما دلت على ذلك الآية والحديث.

٢ - وقد وردت آيات كثيرة تدل دلالة واضحة على أن كل شيء مما في هذا الكون مخلوق لله سبحانه وتعالى, وقد وردت هذه الآيات بلفظ العموم فقال تعالى: اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الرعد:١٦] , وفي آية أخرى: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [غافر:٦٢] , وهذه نصوص واضحة في الدلالة على مرتبة الخلق، وقد جاءت الآية الأولى في معرض إنكار أن يكون للشركاء خلق كخلقه، سبحانه وتعالى فنفى ذلك سبحانه آمراً رسوله أن يقرر هذه الحقيقة التي تفصل في الأمر وتدل على وحدانية الله تعالى وانفراده بالخلق والرزق: اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ وفي موضع آخر جاءت هذه الآية لبيان قدرة الله تعالى وكماله ودلائل وحدانيته: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الزمر:٦٢] , أما الآية الثانية فقد جاءت أيضاً لبيان قدرة الله التامة حيث جعل لعبادة الليل والنهار ثم بين سبحانه أنه خالق كل شيء.

٣ - وقال تعالى ممتناً على الصحابة رضوان الله عليهم بعد أن أمرهم بالتثبت في خبر الفاسق. وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ [الحجرات:٧] , والشاهد قوله: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ .. وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ ... فهو سبحانه هو الذي جعل الإيمان محبوباً أو أحب الأشياء إليكم، وهو الذي حسنه بتوفيقه وقربه منكم، وهو الذي جعل ما يضاد الإيمان من الكفر والفسوق والعصيان مكروها عندكم، وذلك بما أودع في قلوبكم من كراهة الشر وعدم إرادة فعله، فالفاعل في كل ذلك هو الله تعالى (٤).


(١) انظر: ((زاد المسير في علم التفسير)) لابن الجوزي (٧/ ٧٠).
(٢) ((تفسير ابن كثير)) (٧/ ٢٢).
(٣) رواه البخاري في ((خلق أفعال العباد)) (١٠٢). وصححه ابن حجر في ((فتح الباري)) (١٣/ ٥٠٧)، والألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (١٦٣٦) وقال: على شرط مسلم.
(٤) انظر: ((فتح البيان في مقاصد القرآن)) لصديق خان (٩/ ٧٤)، وانظر: ((تفسير ابن السعدي)) (٧/ ١٣١)، وانظر: ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>