للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهناك آيات أخرى كثيرة تدل على أن الله تعالى هو المضل، والهادي, والمؤيد لعباده المؤمنين، والهازم لأعدائهم، وأنه المضحك, والمبكي, والمميت, والمحيي, وكل ذلك دليل على مرتبة الخلق، وقد أورد ابن كثير عند تفسيره لآية الحجرات السابقة، حديثاً يدل على هذه المرتبة عن ابن رفاعة الزرقي قال: لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استووا حتى أثني على ربي، فصاروا خلفه صفوفاً، فقال: اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت, ولا هادي لما أضللت, ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما بعدت، ولا مباعد لما قربت، اللهم ابسط علينا من بركاتك, ورحمتك, وفضلك, ورزقك، اللهم إني أسالك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول, اللهم إني أسالك النعيم يوم العيلة, والأمن يوم الخوف, اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا, وشر ما منعت، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم توفنا مسلمين, وأحينا مسلمين, وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين, اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك, ويصدون عن سبيلك, واجعل عليهم رجزك وعذابك, اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب، إله الحق)) (١) فترى في هذا الحديث بأن الله تعالى هو الفاعل لهذه الأمور، وهذا دليل على مرتبة الخلق.

أدلة هذه المرتبة من السنة:

١ - عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان يقول: ((اللهم أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل, والهرم وعذاب, القبر اللهم آت نفسي تقواها, وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها ... )) الحديث (٢) والشاهد قوله: ((اللهم آت نفسي تقواها وزكها ... ))، فالفاعل هو الله تعالى, فهو الذي يطلب منه ذلك ولفظ ((خير)) ليس للتفضيل بل لا مزكي للنفس إلا الله، ولهذا قال بعد ذلك: أنت وليها ومولاها (٣). فهو سبحانه الملهم للنفس الخير والشر، قال تعالى: فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:٨] , قال سعيد بن جبير في تفسير هذه الآية: فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:٨] , أي: فالخلق والإنسان قادر على سلوك أيهما شاء ومخير فيه، وقال ابن زيد في معنى الآية: (جعل ذلك فيها بتوفيقه إياها للتقوى) (٤).

٢ - وعن وراد مولى المغيرة بن شعبة قال: كتب معاوية إلى المغيرة: اكتب إلي ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول خلف الصلاة، فأملى عليّ المغيرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: خلف الصلاة: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) (٥). والشاهد قوله:


(١) رواه أحمد (٣/ ٤٢٤) (١٥٥٣١)، والبزار (٩/ ١٧٥)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (٥٣٨). وقال: [فيه] عبد الواحد بن أيمن مشهور ليس به بأس في الحديث، روى عنه أهل العلم، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٦/ ١٢٤): رجاله رجال الصحيح، وصححه ابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (٢/ ١٦٣) والألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (٥٣٨).
(٢) رواه مسلم (٢٧٢٢).
(٣) انظر: ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (١٧/ ٤١).
(٤) ((الكشف والبيان)) للثعلبي (١٠/ ٢١٣)، و ((زاد المسير)) (٩/ ١٤٠)، و ((تفسير البغوي)) (٨/ ٤٣٨).
(٥) رواه البخاري (٨٤٤)، ومسلم (٥٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>