للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: الخلاف في تعيين أصحاب الأعراف]

اختلف العلماء في تعيين أصحاب الأعراف، وفي السبب الذي صاروا به موقوفين على الأعراف، كما أخبر الله عنهم؛ اختلف العلماء في ذلك إلى آراء مختلفة وأقوال متباينة، وفيما يلي: نذكر ما قيل في تعيينهم ثم الترجيح: فمما قيل في تعيينهم:

١ - أنهم مساكين أهل الجنة، وينسب هذا القول إلى ابن مسعود وكعب الأحبار وابن عباس (١).

وأخرج الطبري عن ابن عباس أنه قال: (الأعراف سور بين الجنة والنار، وأصحاب الأعراف بذلك المكان، حتى إذا بدا لله – هكذا بالأصل – أن يعافيهم؛ انطلق بهم إلى نهر يقال له: الحياة، حافتاه قصب الذهب، مكلل باللؤلؤ، ترابه المسك؛ فألقوا فيه، حتى تصلح ألوانهم ويبدو في نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها، حتى إذا صلحت ألوانهم، أتى بهم الرحمن، فقال: تمنوا ما شئتم، قال: فيتمنون، حتى إذا انقطعت أمنيتهم قال لهم: لكم الذي تمنيتم ومثله سبعين مرة، فيدخلون الجنة وفي نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها، يسمون مساكين الجنة) (٢).

وهو رأى عبد الله بن الحارث –أيضا- كما أخرج الطبري عن مجاهد عن عبد الله بن الحارث قال: (أصحاب الأعراف ينتهى بهم إلى نهر يقال له: الحياة، حافتاه قصب من ذهب، قال سفيان: أراه قال: مكلل باللؤلؤ، قال: فيغتسلون فيزدادون، فكلما اغتسلوا ازدادت بياضاً، فيقال لهم: تمنوا ما شئتم، فيتمنون ما شاءوا، فيقال لهم: لكم ماتمنيتم وسبعون ضعفاً، قال: فهم مساكين أهل الجنة) (٣).

٢ - أنهم قوم صالحون، فقهاء، علماء، وينسب هذا القول إلى مجاهد (٤)؛ وهذه صفة مدح لهم، غير أنه جاء في التفسير المنسوب إلى ابن عباس أن هؤلاء كانوا شاكين في الرزق (٥)؛ وهذه صفة ذم، وقد وصف ابن كثير هذا القول بأن فيه غرابة (٦).

٣ - أنهم الشهداء، ذكره المهدوي (٧)، وعزاه الشوكاني إلى القشيري وشرحبيل بن سعد (٨).

٤ - هم فضلاء المؤمنين والشهداء، فرغوا من شغل أنفسهم وتفرغوا لمطالعة أحوال الناس، ذكره أبو نصر عبد الرحمن بن عبد الكريم القشيري (٩)، وعزاه الشوكاني إلى مجاهد (١٠).

٥ - هم المستشهدون في سبيل الله الذين خرجوا عصاة لآبائهم، ويعزى هذا القول إلى شرحبيل بن سعد أيضاً (١١).

وأخرج الطبري حديثين في هذا:

الأول منهما قال فيه: حدثني المثنى، وساق السند إلى يحيى بن شبل، أو رجلاً من بني النضير أخبره عن رجل من بني هلال، أن أباه أخبره، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف، فقال: ((هم قوم غزوا في سبيل الله عصاة لآبائهم، فقتلوا فاعتقهم الله من النار بقتلهم في سبيله، وحبسوا عن الجنة بمعصية آبائهم، فهم آخر من يدخل الجنة)) (١٢).

وأما الحديث الثاني، فقد أخرجه عن يحيى بن شبل، مولى بني هاشم، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف فقال: ((قوم قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم، فمنعهم قتلهم في سبيل الله عن النار، ومنعتهم معصية آبائهم أن يدخلوا الجنة)) (١٣)، وهذا الحديث قد ضعفه بعض العلماء (١٤).


(١) ((التذكرة)) (ص: ٣٨٦). ويرد على هذا أن الجنة ليس فيها مساكين، وليس هناك دليل على ثبوت هذا القول، ولعل القصد أنهم أقل درجات أهل الجنة.
(٢) ((جامع البيان)) (٨/ ١٩١).
(٣) ((جامع البيان)) (٨/ ١٩١ - ١٩٢).
(٤) ((التذكرة)) (ص: ٣٨٦).
(٥) ((تنوير المقباس)) (٢/ ١٧) مع ((الدر المنثور)).
(٦) ((تفسير القرآن العظيم)) (٢/ ٢١٧).
(٧) ((التذكرة)) (ص: ٣٨٦).
(٨) ((فتح القدير)) (٢/ ١٩٨).
(٩) ((التذكرة)) (ص: ٣٨٦).
(١٠) ((فتح القدير)) (٢/ ١٩٨).
(١١) ((التذكرة)) (ص: ٣٨٦).
(١٢) ((جامع البيان)) (٨/ ١٩٢).
(١٣) ((جامع البيان)) (٨/ ١٩٢).
(١٤) انظر: ((تفسير المنار)) (٨/ ٤٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>