للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: أقوال العلماء في معني الورود]

اختلف العلماء في المراد بهذا الورود إلى أقوال كثيرة، يمكن إيجازها فيما يلي:

١ - الورود المذكور في الآية: يراد به الدخول في النار

٢ - يراد به المرور عليها؛ أي فوق الصراط

٣ - يراد به الدخول, ولكن عني به الكفار دون المؤمنين

٤ - أنه عام لكل مؤمن وكافر, غير أن ورود المؤمن المرور, وورود الكافر الدخول

٥ - ورود المؤمن ما يصيبه في الدنيا من حمى ومرض

٦ - أنه يردها الجميع ثم يصدر عنها المؤمنون بأعمالهم

وتلك أشهر الأقوال.

وهناك أقوال أخرى ذكرها بعض أهل العلم منها:

٧ - القول بالتوقف في معنى الورود

٨ - ومنها القول بأن المراد بالورود هنا هو الإشراف والاطلاع والقرب منها، حيث يكونون وهم في الموقف يشاهدون النار؛ فينجيهم الله مما شاهدوه.

ونبدأ الآن بذكر عزو تلك الأقوال إلى أهلها ثم الترجيح فيما يأتي:

أما الذين فسروه بالدخول, من السلف: فمنهم ابن عباس, وابن مسعود وعبد الله بن رواحه, وجابر بن عبد الله, وأبو ميسرة, وابن جريج, وخالد ابن معدان.

أما ابن عباس, فقد اشتهر رأيه هذا, في جوابه لنافع بن الأزرق في مساءلات نافع لابن عباس المشهورة، فقد جاء نافع يسأل ابن عباس عن معنى الآية فقال ابن عباس: الورود: الدخول، وقال نافع: لا، فقرأ ابن عباس: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [الأنبياء: ٩٨] أورود هو أم لا؟ وقال: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ [هود: ٩٨]، أورود هو أم لا؟ أما أنا وأنت فسندخلها، فانظر هل تخرج منها أم لا؟ وما أرى الله مخرجك منها بتكذيبك، قال: فضحك نافع. (١)

وفي رواية أخرى لعطاء بن أبي رباح قال: قال أبو راشد الحروري – يعنى نافع بن الأزرق -: ذكروا هذا؛ فقال الحروري: لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا [الأنبياء: ١٠٢]، قال ابن عباس: ويلك، أمجنون أنت؟ أين قوله تعالى: يقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ [هود: ٩٨]، وقوله: وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إلى جَهَنَّمَ وِرْدًا [مريم: ٨٦]، وقوله وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا [مريم: ٧١]، والله إن كان دعاء من مضى: اللهم أخرجني من النار سالما وأدخلني الجنة غانما. (٢)

والروايات عن ابن عباس في هذا كثيرة وبطرق متعددة، يرى أن الورود المذكور في الآية يراد به الدخول لكل أحد؛ مسلما كان أم كافرا، وهو المشهور عنه. (٣)

قال الجمل: وهذا هو تفسير ابن عباس الصحيح عند أهل السنة. (١)

وأما جابر بن عبد الله رضي الله عنه؛ فقد جاء عن أبي سمية أنه قال: اختلفنا هاهنا في الورود؛ فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن، وقال بعضنا: يدخلونها جميعا؛ ينجي الله الذين اتقوا، فلقيت جابر بن عبد الله فقلت: إنا اختلفنا ها هنا في ذلك، فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن، وقال بعضنا: يدخلونها جميعا، فأهوى بأصبعيه إلى أذنيه وقال: ((صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الورود: الدخول)) لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم، حتى إن للنار – أو قال لجهنم – ضجيجا من بردهم، ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين)) (٢). وأخرج الطبري بسنده إلى خالد بن معدان قال: (قال أهل الجنة بعدما دخلوا الجنة: ألم يعدنا ربنا الورود على النار؟ قال: قد مررتم عليها وهي خامدة).

<<  <  ج: ص:  >  >>