للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١ - الجهل بالدين]

من الأمور المسلم بها: أهمية العلم, ولاسيما العلم الشرعي، أي معرفة أمور الدين وشرائعه، ومن ثم العمل بذلك، حتى يعبد الله تعالى على بصيرة, قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر: ٩].

ومن هنا فإن الجهل بالدين وبأحكامه آفة خطيرة، وداء عظيم، فهو يحجب عن معرفة الحق، ويبعد عن سنن الهدى، ويؤدي إلى الضلال، ويوقع في البدع المتعددة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (ما أحدث في الإسلام من المساجد والمشاهد على القبور والآثار فهو من البدع المحدثة في الإسلام، من فعل من لم يعرف شريعة الإسلام، وما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم من كمال التوحيد, وإخلاص الدين لله، وسد أبواب الشرك التي يفتحها الشيطان لبني آدم. ولهذا يوجد أن من كان أبعد عن التوحيد, وإخلاص الدين لله, ومعرفة دين الإسلام هم أكثر تعظيماً لمواضع الشرك، فالعارفون بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديثه أولى بالتوحيد وإخلاص الدين لله، وأهل الجهل بذلك أقرب إلى الشرك والبدع) (١). الخ.

فالجهل إذاً أحد أسباب حصول كثير من صور التبرك الممنوع عند بعض المسلمين، حيث لم يميزوا بين التبرك المشروع والممنوع، بل خلطوا بينهما أو قاسوا الثاني على الأول.

ولقد انتشر الجهل في العصور المتأخرة في أنحاء العالم الإسلامي، وخاصة الأقطار النائية.

ومن أهم أسباب انتشار الجهل بين الناس: سكوت علماء أهل السنة عن بيان الحق وتبليغ شرائع الدين وأحكامه، وتخاذلهم عن إنكار البدع المحدثة والتحذير عنها، وإعراض الناس عن سؤال أهل العلم في أمور دينهم.

وفي مقابل هذا: تشجيع ورعاية علماء أهل البدع – وعلى رأسهم الروافض والصوفية – لبدعهم، وإحيائها، أو إفتاء البعض بدون علم ولا دراية، فيحصل الضلال والإضلال.

هذا ومن آثار الجهل السيئة، والمفاسد المترتبة عليه: تقليد الأسلاف، وتحكيم العادات السائدة بدون دليل، وهي شبهة قديمة احتج بها الكفار المخالفون لدعوة الرسل عليهم السلام، كما أخبرنا الله تعالى عن ذلك في كتابه الكريم.

يقول الإمام الشوكاني رحمه الله مبيناً خطر هذا الأمر: (بهذه الذريعة الشيطانية، والوسيلة الطاغوتية بقي المشرك من الجاهلية على شركه، واليهودي على يهوديته، والنصراني على نصرانيته، والمبتدع على بدعته، وصار المعروف منكراً, والمنكر معروفاً، وتبدلت الأمة بكثير من المسائل الشرعية غيرها، وألفوا ذلك، ومرنت عليه نفوسهم، وقبلته قلوبهم، وأنسوا إليه) (٢).

كما أن من مفاسد الجهل أيضاً الوقوع في فتنة الشيطان وتلبيسه.

قال الإمام ابن القيم عند ذكره الأمور التي أوقعت عباد القبور في الافتتان بها، مع العلم بأن ساكنيها أموات، لا يملكون لهم ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياتاً ولا نشوراً.

قال رحمه الله تعالى: (منها: الجهل بحقيقة ما بعث الله به رسوله، بل جميع الرسل: من تحقيق التوحيد، وقطع أسباب الشرك، فقل نصيبهم جداً من ذلك، ودعاهم الشيطان إلى الفتنة، ولم يكن عندهم من العلم ما يبطل دعوته، فاستجابوا له بحسب ما عندهم من الجهل، وعصموا بقدر ما معهم من العلم) (٣) الخ.

وعلى أي حال فإن الواجب على المسلم تعلم أمور دينه والتفقه فيه، حتى لا يعبد الله بغير ما شرعه، ولأن من أمكنه التعلم ولم يتعلم يأثم.

وقد يعذر الجاهل لعدم علمه، أو عدم استطاعته التعلم، لكنه لا يعذر بعد العلم، فقد قامت عليه الحجة حينئذ التبرك أنواعه وأحكامه لناصر بن عبد الرحمن بن محمد الجديع – ص: ٤٦٧


(١) ((تفسير سورة الإخلاص)) (ص: ٣٦٦).
(٢) ((الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد)) لمحمد بن علي الشوكاني (ص: ٢٨)، المطبوع ضمن مجموعة الرسائل السلفية. انظر ((رسالة تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد)) للصنعاني (ص: ٣٣).
(٣) ((إغاثة اللهفان)) (١/ ٢١٤، ٢١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>