للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتبرك بهذه الأشياء يكون بفعل العبادات وغيرها مما ورد في الشرع ما يدل على فضلها فيها، ولا يجوز التبرك بها بغير ما ورد، وعليه فمن تبرك بالأزمان, أو الأماكن, أو الأشياء التي وردت نصوص تدل على فضلها أو بركتها بتخصيصها بعبادات أو تبركات معينة لم يرد في الشرع ما يدل على تخصيصها بها، فقد خالف المشروع، وأحدث بدعة ليس لها أصل في الشرع، وذلك كمن يخص ليلة القدر بعمرة، وكمن يتبرك بجدران الكعبة بتقبيلها أو مسحها، أو يتمسح بمقام إبراهيم أو بالحجر المسمى حجر إسماعيل، أو بأستار الكعبة، أو بجدران المسجد الحرام، أو المسجد النبوي وأعمدتهما ونحو ذلك، فهذا كله محرم، وهو من البدع المحدثة، وقد اتفق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة على عدم مشروعيته (١)، وعندك أن يتبرك بأحجار أو تراب شيء من المواضع الفاضلة بالتمرغ عليه أو يجمعه أو الاحتفاظ به.

ومما يدل أيضاً على تحريم التبرك بالأشياء الفاضلة بغير ما ورد في الشرع ما ثبت في (صحيح البخاري) عن ثاني الخلفاء الراشدين الذين أمرنا بأتباع سنتهم: عمر بن الخطاب رضي الله عنه والذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله جعل الحق على قلب عمر ولسانه)) (٢)، وقال صلى الله عليه وسلم عنه وعن أبي بكر: ((اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر)) (٣)، أنه قال رضي الله عنه لما قبل الحجر الأسود: (إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) (٤) رواه البخاري ومسلم، فقول عمر هذا صريح في أن تقبيل الحجر الأسود إنما هو اتباع للنبي صلى الله عليه وسلم، فالمسلم يفعله تعبداً لله تعالى، واقتداء بخير البرية صلى الله عليه وسلم، وليس من باب التبرك في شيء.

وإذا كان هذا في شأن الحجر الأسود الذي هو أفضل الكعبة، فغيره من الأماكن والأشياء الفاضلة أولى، فيتعبد المسلم فيها بما ورد في الشرع ولا يزيد عليه.

ومما يدل كذلك على تحريم التبرك بالأشياء الفاضلة بغير ما ورد في الشرع ما ثبت عن حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – أنه أنكر على من استلم أركان الكعبة الأربعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستلم إلا الحجر الأسود والركن اليماني (٥).رواه البخاري. تسهيل العقيدة الإسلامية لعبد الله بن عبد العزيز الجبرين - بتصرف– ص: ٣٠٨


(١) ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (ص: ٨٠٨، ٨٠٩)، ((مجموع الفتاوى)) (٤/ ٥٢١، ٢٧/ ٧٩، ١٠٦ - ١١٠)، ((الاختيارات)) الجنائز (٩٢)، و ((الحج)) (ص: ١١٨)، ((زيارة القبور)) للبركوي الحنفي (ص: ٥٢)، ((مجلس الأبرار)) للرومي الحنفي مع ((خزينة الأسرار)) لسبحان بخش الهندي الحنفي (ص: ١٣٠)، و ((نقائش الأزهار للسورتي الحنفي (ص: ١٦١) نقلاً عن ((جهود علماء الحنفية)) (ص: ٦٥٧)، ((إصلاح المساجد)) للقاسمي (ص: ٥٢)، ((القول السديد)) للسعدي (ص: ٥٣)، ((فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم)) (٥/ ١١، ١٢).
(٢) [٣٩٦٣])) رواه الترمذي (٣٦٨٢) , وأحمد (٢/ ٥٣) (٥١٤٥) , وابن حبان (١٥/ ٣١٨) , والحاكم (٣/ ٩٣) , والطبراني في ((الأوسط)) (٣/ ٣٣٨) , قال الترمذي هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه, وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (٧/ ١٣٣): إسناده صحيح, وصححه الألباني في ((صحيح الترمذي)).والحديث روي عن أبي هريرة, ومعاوية ابن أبي سفيان, وأبو ذر الغفاري, وبلال, رضي الله عنهم.
(٣) رواه الترمذي (٣٦٦٣، ٣٧٩٩) وابن ماجه (٩٧) , وأحمد (٥/ ٣٨٥) (٢٣٣٢٤). وقال: هذا حديث حسن. وحسنه ابن عبد البر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (٢/ ١١٦٥)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (٩/ ٥٧٩). وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.
(٤) [٣٩٦٥])) رواه البخاري (١٥٩٧) ومسلم (١٢٧٠).
(٥) رواه البخاري (٢٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>