للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عاشرا: الآثار الإيمانية لاسم الله الهادي]

الهداية إلى الصراط المستقيم أجل مطلوب وأعظم مسؤول، ونيله أشرف المواهب. وهي أكبر نعمة ينعم بها الهادي سبحانه على من يشاء من عباده، وأجل مننه الواصلة إلينا. فعلى العبد أن يسأل الله تعالى الهداية إلى الصراط المستقيم. ولهذا فإن العبد في اليوم والليلة، يسأل الله الهداية إلى الصراط المستقيم، كما في سورة الفاتحة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ [الفاتحة: ٦]، ويشهد من (اهدنا) عشر مراتب، إذا اجتمعت حصلت له الهداية.

المرتبة الأولى: هداية العلم والبيان. فيجعله عالماً بالحق مدركاً له.

الثانية: أن يقدره عليه. وإلا فهو غير قادر بنفسه.

الثالثة: أن يجعله مريداً له.

الرابعة: أن يجعله فاعلاً له.

الخامسة: أن يثبته على ذلك، ويستمر به إلى الوفاة.

السادسة: أن يصرف عنه الموانع والعوارض المضادة له (١).

ومعلوم أن وساوس العبد وخواطره، وشهوات الغي في قلبه، كل منها مانع من وصول أثر الهداية إليه، فإن لم يصرفها الله عنه لم يهتد هدى تاماً، فحاجته إلى هداية الله له مقرونة بأنفاسه، وهي أعظم حاجة للعبد (٢).

السابعة: أن يهديه في الطريق نفسها هداية خاصة، أخص من الأولى. فإن الأولى هداية إلى الطريق إجمالاً، وهذه هداية فيها وفي منازلها تفصيلاً (٣).

فإن العبد قد يهتدي إلى طريق قصده، تتميز له الطرق عن غيرها، ولا يهتدي إلى تفاصيل سيره فيها، ولأوقات المسير من غيره، وزاد المسير، وآفات الطرق (٤).

الثامنة: أن يشهده المقصود في الطريق، وينبهه عليه. فيكون مطالعاً له في سيره، وملتفتاً إليه.

التاسعة: أن يشهده فقره وضرورته إلى هذه الهداية، فوق كل ضرورة. في ظاهره وباطنه، في جميع ما يأتيه ويذره. ويدخل في هذا أن يهدي غيره ويعلمه، فيصير هادياً مهدياً، كما في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين)) (٥).

يعني نهدي غيرنا ونهتدي في أنفسنا، وهذه أفضل الدرجات أن يكون العبد هادياً مهدياً. قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا [السجدة: ٢٤] (٦).

العاشرة: أن يشهده طريق المنحرفين عن الهداية. وهما: طريق أهل الغضب، الذين عدلوا عن أتباع الحق قصداً وعناداً؛ وطريق أهل الضلال، الذين عدلوا عنها جهلاً وضلالاً.

ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه الهداية، ويحث أصحابه على سؤال الله الهداية.

وليتأمل القارئ اللبيب، الأحاديث التالية:

١ - عن أبي ذر رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم – فيما روى عن الله تبارك وتعالى – أنه قال: ((يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم)) (٧).

أي: اطلبوا مني الهداية، أوفقكم إلى سلوك طريقها.


(١) ((تهذيب المدارج)) (ص: ١٠٥١).
(٢) ((مفتاح دار السعادة)) (١/ ٣٠٦).
(٣) ((تهذيب المدارج)) (ص: ١٠٥١).
(٤) ((شفاء العليل)) (ص: ٢٦٨).
(٥) رواه النسائي (٣/ ٥٤)، وأحمد (٤/ ٢٦٤) (١٨٣٥١)، والحاكم (١/ ٧٠٥). من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (٢/ ٣٣٣): رجاله إسناده ثقات، وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)).
(٦) ((شرح حديث عمار بن ياسر)) (ص: ٤٩).
(٧) رواه مسلم (٢٥٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>