للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - عن الحسن بن علي رضي الله عنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: ((اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت)) (١).

فقوله: (اهدني) سؤال للهداية المطلقة، التي لا يتخلف عنها الاهتداء.

وقوله: (فيمن هديت) فيه فوائد:

أحدها: أنه سؤال له أن يدخله في جملة المهتدين، وزمرتهم ورفقتهم.

الثانية: توسل إليه بإحسانه وإنعامه، أي إنك قد هديت من عبادك بشراً كثيراً فضلاً منك وإحساناً، فأحسن إلي كما أحسنت إليهم، كما يقول الرجل للملك: اجعلني من جملة من أغنيته وأعطيته وأحسنت إليه.

الثالثة: أن ما حصل لأولئك من الهدى، لم يكن منهم ولا بأنفسهم، وإنما كان منك، فأنت الذي هديتهم (٢).

٣ - عن علي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قل: اللهم اهدني وسددني، واذكر بالهدى هدايتك الطريق، والسداد سداد السهم)) (٣).

قال ابن القيم رحمه الله: هذا من أبلغ التعليم والنصح، حيث أمره أن يذكر إذا سأل الله الهدى إلى طريق رضاه وجنته، كونه مسافراً، وقد ضل عن الطريق، ولا يدري أين يتوجه، فطلع له رجل خبير بالطريق، عالم بها، فسأله أن يدله على الطريق، فهكذا شأن طريق الآخرة، تمثيلاً لها بالطريق المحسوس للمسافر؛ وحاجة المسافر إلى الله سبحانه، إلى أن يهديه تلك الطريق، أعظم من حاجة المسافر إلى بلد، إلى من يدله على الطريق الموصل إليها.

وكذلك السداد – وهو إصابة القصد قولاً وعملاً – فمثله مثل رامي السهم إذا وقع سهمه وأصاب، وإذا لم يقع باطلاً؛ فهكذا المصيب للحق في قوله وعمله، بمنزلة المصيب في رميه (٤).

٤ - عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى)) (٥).

٥ - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: سألت عائشة أم المؤمنين: بأي شيء كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: ((اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة؛ أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)) (٦).

ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء العظيم القدر، من أوصاف الله وربوبيته ما يناسب المطلوب، فإن فطر السماوات والأرض توسل إلى الله بهذا الوصف في الهداية للفطرة التي ابتدأ الخلق عليها، فذكر كونه فاطر السماوات والأرض، والمطلوب تعليم الحق، والتوفيق له، فذكر علمه سبحانه بالغيب والشهادة، وأن من هو بكل شيء عليم جدير أن يطلب منه عبده أن يعلمه، ويرشده ويهديه؛ وهو بمنزلة التوسل إلى الغني بغناه وسعة كرمه أن يعطي عبده شيئاً من ماله، والتوسل إلى الغفور بسعة مغفرته أن يغفر لعبده، وبعفوه أن يعفو عنه، وبرحمته أن يرحمه، ونظائر ذلك.

وذكر ربوبيته تعالى لجبريل وميكائيل وإسرافيل؛ وهذا – والله أعلم – لأن المطلوب هدى يحيا به القلب؛ وهؤلاء الثلاثة الأملاك، قد جعل الله تعالى على أيديهم أسباب حياة العباد:

أما جبريل: فهو صاحب الوحي الذي يوحيه الله إلى الأنبياء، وهو سبب للحياة الدنيا والآخرة.

وأما ميكائيل: فهو الموكل بالقطر، الذي به سبب حياة كل شيء.

وأما إسرافيل: فهو الذي ينفخ في الصور، فيحيي الله الموتى بنفخته؛ فإذا هم قيام لرب العالمين (٧).

فالتوسل إلى الله سبحانه بربوبية هذه الأرواح العظيمة الموكلة بالحياة، له تأثير عظيم في حصول المطلوب. والله المستعان (٨). الأسماء الحسنى والصفات العلى لعبد الهادي بن حسن وهبي – ص: ٢٦٤


(١) رواه أبو داود (١٤٢٥)، والترمذي (٤٦٤)، والنسائي (٣/ ٢٤٨)، وابن حبان (٣/ ٢٢٥) (٩٤٥). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقال ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (٢/ ٢٨٥): روي من طرق ثابتة، وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (٣/ ٤٩٦).
(٢) ((شفاء العليل)) (ص: ٣٣٨).
(٣) رواه مسلم (٢٧٢٥).
(٤) ((إغاثة اللهفان)) (ص: ٦٥).
(٥) رواه مسلم (٢٧٢١).
(٦) رواه مسلم (٧٧٠).
(٧) ((مفتاح دار السعادة)) (١/ ٣٠٦ - ٣٠٧).
(٨) ((شرح الطحاوية)) (١/ ٢٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>