للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المسألة الثانية: درجات التعطيل في باب الأسماء الحسنى]

القول الأول: من يقول إن الله لا يسمى بشيء

وهذا قول الجهمية أتباع جهم بن صفوان، والغالية من الملاحدة كالقرامطة الباطنية والفلاسفة.

وهؤلاء المعطلة لهم في تعطيلهم لأسماء الله أربعة مسالك هي:

المسلك الأول: الاقتصار على نفي الإثبات فقالوا: لا يسمى بإثبات.

المسلك الثاني: أنه لا يسمى بإثبات ولا نفي.

المسلك الثالث: السكوت عن الأمرين الإثبات والنفي.

المسلك الرابع: تصويب جميع الأقوال بالرغم من تناقضها.

فهذا الصنف من المعطلة اتفقوا على إنكار الأسماء جميعها، ولكن تنوعت مسالكهم في الإنكار.

١ - فأصحاب المسلك الأول: اقتصروا على قولهم: بأنه ليس له اسم كالحي والعليم ونحو ذلك. وشبهتهم في ذلك:

أ- أنه إذا كان له اسم من هذه الأسماء لزم أن يكون متصفاً بمعنى الاسم كالحياة والعلم.

فإن صدق المشتق – أي الاسم كالعليم – مستلزم لصدق المشتق منه – أي الصفة كالعلم – وذلك محال عندهم.

ب- ولأنه إذا سمي بهذه الأسماء فهي مما يسمى به غيره؛ والله منزه عن مشابهة الغير (١).

فهؤلاء المعطلة المحضة – نفاة الأسماء – يسمون من سمى الله بأسمائه الحسنى مشبهاً؛ فيقولون: (إذا قلنا حي عليم فقد شبهناه بغيره من الأحياء العالمين, وكذلك إذا قلنا هو سميع بصير فقد شبهناه بالإنسان السميع البصير، وإذا قلنا رؤوف رحيم فقد شبهناه بالنبي الرؤوف الرحيم، بل قالوا إذا قلنا موجود فقد شبهناه بسائر الموجودات لاشتراكهما في مسمى الوجود) (٢).

وهذا المسلك ينسب لجهم بن صفوان.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (جهم كان ينكر أسماء الله تعالى فلا يسميه شيئاً لا حياً ولا غير ذلك إلا على سبيل المجاز) (٣) هو قول الباطنية من الفلاسفة والقرامطة, فهم يقولون لا نسميه حياً, ولا عالماً, ولا قادراً, ولا متكلماً, إلا مجازاً بمعنى السلب والإضافة: أي هو ليس بجاهل ولا عاجز (٤). وهذا كذلك قول ابن سينا وأمثاله (٥).

٢ - وأما أصحاب المسلك الثاني: فقد زادوا في الغلو فقالوا: (لا يسمى بإثبات ولا نفي، ولا يقال موجود ولا لا موجود, ولا حي ولا لا حي؛ لأن في الإثبات تشبيهاً بالموجودات، وفي النفي تشبيهاً له بالمعدومات.

وكل ذلك تشبيه. وهذا المسلك ينسب لغلاة المعطلة من القرامطة الباطنية والمتفلسفة (٦).

٣ - وأما أصحاب المسلك الثالث فيقولون: نحن لا نقول ليس بموجود ولا معدوم، ولا حي ولا ميت، فلا ننفي النقيضين، بل نسكت عن هذا وهذا، فنمتنع عن كل من المتناقضين، لا نحكم بهذا ولا بهذا، فلا نقول ليس بموجود ولا معدوم، ولكن لا نقول هو موجود ولا نقول هو معدوم.

ومن الناس من يحكي هذا عن الحلاج، وحقيقة هذا القول هو الجهل البسيط والكفر البسيط، الذي مضمونه الإعراض عن الإقرار بالله, ومعرفته, وحبه, وذكره, وعبادته, ودعائه (٧).

وأصحاب هذا المسلك: هم المتجاهلة اللاأدرية.

وأصحاب المسلك الثاني: هم المتجاهلة الواقفة الذين يقولون لا نثبت ولا ننفي.

وأصحاب المسلك الأول: هم المكذبة النفاة.


(١) انظر ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٣٥، ٣/ ١٠٠)، و ((درء تعارض العقل والنقل)) (٣/ ٣٦٧)، وكتاب ((الصفدية)) (١/ ٨٨ - ٨٩، ٩٦ - ٩٧).
(٢) ((منهاج السنة)) (٢/ ٥٢٣، ٥٣٤).
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (١٢/ ٣١١).
(٤) ((مجموع الفتاوى)) (٥/ ٣٥٥).
(٥) ((الصفدية)) (١/ ٢٩٩ - ٣٠٠).
(٦) ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٣٥، ٣/ ١٠٠)، ((شرح الأصفهانية)) (ص: ٧٦ - ٨٠).
(٧) كتاب ((الصفدية)) (٦/ ٩٦ - ٩٨)، ((شرح الأصفهانية)) (ص: ٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>