للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والملاحظ أن كل فريق من هؤلاء يهدم ما بناه ما قبله, فلما اقتصر أصحاب المسلك الأول على النفي وامتنعوا عن الإثبات بحجة أن في الإثبات تشبيهاً له بالموجودات جاء أصحاب المسلك الثاني فزادوا في الغلو, وزعموا أن في النفي كذلك تشبيهاً له بالجمادات, فمنعوا النفي أيضاً, ثم جاء أصحاب المسلك الثالث فاتهموا أصحاب المسلك الثاني بأنهم شبهوه بالممتنعات, لأن قولهم يقوم على نفي النقيضين وهذا ممتنع.

٤ - وهناك مسلك رابع: وهو مسلك أصحاب وحدة الوجود الذين يعطون أسماءه سبحانه لكل شيء في الوجود، إذ كان وجود الأشياء عندهم هو عين وجوده ما ثمت فرق إلا بالإطلاق والتقييد (١).

وهذا منتهى قول طوائف المعطلة (٢) وغاية ما عندهم في الإثبات قولهم هو: (وجود مطلق) أي: وجود خيالي في الذهن، أو وجود مقيد بالأمور السلبية (٣).

القول الثاني: أن الله يسمى باسمين فقط هما: (الخالق) و (القادر): وهذا القول منسوب للجهم بن صفوان.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (كان الجهم وأمثاله يقولون: إن الله ليس بشيء، وروى عنه أنه قال: لا يسمى باسم يسمى به الخلق، فلم يسمه إلا (بالخالق) و (القادر) لأنه كان جبرياً يرى أن العبد لا قدرة له) (٤).

وقال رحمه الله: (ولهذا نقلوا عن جهم أنه لا يسمى الله بشيء، ونقلوا عنه أنه لا يسميه باسم من الأسماء التي يسمى بها الخلق: كالحي، والعالم, والسميع، والبصير، بل يسميه قادراً خالفاً، لأن العبد عنده ليس بقادر، إذ كان هو رأس الجهمية الجبرية) (٥).

القول الثالث: إثبات الأسماء مجردة عن الصفات

وهذا قول المعتزلة ووافقهم ابن حزم الظاهري. وتبع المعتزلة على ذلك الزيدية، والرافضة الإمامية، وبعض الخوارج. فالمعتزلة يجمعون على تسمية الله بالاسم ونفي الصفة عنه. يقول ابن المرتضى المعتزلي: (فقد أجمعت المعتزلة على أن للعالم محدثاً قديماً، قادراً، عالماً، حياً لا لمعان) (٦).

وابن حزم وافق المعتزلة في ذلك فهو يرى: (أن الأسماء الحسنى كالحي، والعليم، والقدير، بمنزلة أسماء الأعلام التي لا تدل على حياة ولا علم، ولا قدرة، وقال: لا فرق بين الحي وبين العليم في المعنى أصلاً) (٧).

والمعتزلة لهم في نفيهم لتضمن الأسماء للصفات مسلكان:

المسلك الأول: من جعل الأسماء كالأعلام المحضة المترادفة التي لم توضع لمسماها باعتبار معنى قائم به. فهم بذلك ينظرون إلى هذه الأسماء على أنها أعلام محضة لا تدل على صفة.

و (المحضة) الخاصة الخالية من الدلالة على شيء آخر، فهم يقولون: إن العليم والخبير والسميع ونحو ذلك أعلام لله ليست دالة على أوصاف، وهي بالنسبة إلى دلالتها على ذات واحدة هي مترادفة وذلك مثل تسميتك ذاتاً واحدة (يزيد, وعمرو, ومحمد, وعلي) فهذه الأسماء مترادفة, وهي أعلام خالصة لا تدل على صفة لهذه الذات المسماة بها (٨).


(١) ((شرح القصيدة النونية)) للهراس (٢/ ١٢٦).
(٢) ((الصفدية)) (١/ ٩٨، ٩٩).
(٣) ((الصفدية)) (١/ ١١٦، ١١٧).
(٤) ((منهاج السنة)) (٢/ ٥٢٦ - ٥٢٧)، ((الأنساب)) للسمعاني (٢/ ١٣٣).
(٥) ((درء تعارض العقل والنقل)) (٥/ ١٨٧)، ((مجموع الفتاوى)) (٨/ ٤٦٠).
(٦) كتاب ((ذكر المعتزلة)) (ص: ٦)، ((شرح الأصول الخمسة)) (ص: ١٥١)، ((مقالات الإسلاميين)) (ص: ١٦٤ - ١٦٥).
(٧) ((شرح الأصفهانية)) (ص: ٧٦)، ((الفصل)) (٢/ ١٦١)، ((درء تعارض العقل والنقل)) (٥/ ٢٤٩ - ٢٥٠).
(٨) ((التحفة المهدية شرح الرسالة التدمرية)) (١/ ٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>