فمن ذلك إخباره عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله، وإخباره عن الملائكة وصفاتهم، وإخباره عن عالم الجن، وعن الجنة والنار، ومن ذلك إخباره عن الحوادث التي وقعت، كما أخبر عن آدم ونوح وهود وصالح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء والرسل، وما جرى بينهم وبين أقوامهم، وهو حديث فيه تفصيل وبيان، ومثل هذا لا يتأتى من رجل أمي لم يكن كاتباً ولا قارئاً، ولم يخالط الذين درسوا تاريخ الأمم وعرفوا أخبارها، ثم هو يأتي بأخبار لم يبلغها علم الأمم، وأخبار يكتمها علماء أهل الكتاب، ويصحح لهم كثيراً مما عندهم، وكل ذلك دليل على أنه إنما جاء بهذه العلوم من العليم الخبير، تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ [هود: ٤٩].
وقد أشار القرآن إلى هذا الدليل في عدة مواضع، فمن ذلك قوله في سياق قصة مريم: وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آل عمران: ٤٤].
وفي سياق قصة موسى، قال: وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [القصص: ٤٦].
وقد كان يخبر الأخبار المغيبة التي وقعت في حينها، فقد أخبر باستشهاد قادة المسلمين الثلاثة في معركة مؤتة، وباستلام خالد بن الوليد الراية من بعدهم في اليوم الذي وقع فيه الحدث، رواه البخاري (١).
وعندما توفي النجاشي أخبر بوفاته في اليوم نفسه الذي توفي فيه، وكذلك عندما توفي كسرى. الرسل والرسالات لعمر الأشقر - ص ١٤٧
(١) الحديث رواه البخاري (٤٢٦٢). من حديث أنس رضي الله عنه.