للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: التوفيق بين الأقدار وبين كل مولود يولد على الفطرة]

وقد يقول بعض الناس كيف يكون الله قدر كل شيء مع أنه صح عن رسولنا أن كل مولود يولد على الفطرة؟

فالجواب أنه لا تناقض ولا تعارض بين النصوص المبينة أن كل شيء بقدر، والنصوص المخبرة بأن كل مولود يولد على الفطرة. فالله فطر عباده على السلامة من الاعتقادات الباطلة كما فطرهم على قبول العقائد الصحيحة، ثم إذا ولدوا أحاطت بهم شياطين الإنس والجن، فأفسدت فطرهم وغيَّرتها، وثبَّت الله من شاء الله هدايته على الحق. والله يعلم من يثبت على الفطرة السويّة السليمة، ومن تتغير فطرته، علم ذلك في الأزل وكتبه، فلا منافاة بين هذه النصوص ولا تعارض بينهما، ففي الحديث الذي يرويه مسلم في (صحيحه) عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله: ((إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين، وحرَّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً)) (١). والله يعلم من الذي تجتالهُ الشياطين وتغرر به، ويعلم من يثبت على الحق، ويهدى للصواب. وإذا عرفت هذا الذي بيناه علمت كيف تُوَجِّه قوله صلى لله عليه وسلم: ((خلق الله يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمناً، وخلق فرعون في بطن أمه كافراً)). رواه ابن عدي في (الكامل)، والطبراني في (الأوسط) (٢). الإيمان بالقضاء والقدر لعمر بن سليمان الأشقر - ص٦٨


(١) رواه مسلم (٢٨٦٥).
(٢) رواه ابن عدي في ((الكامل)) (١/ ٣٥٠)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (١٠/ ٢٢٤). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٧/ ١٩٣): رواه الطبراني وإسناده جيد. وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (٣٢٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>