للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: بشائر التوراة وأسفار الأنبياء]

التوراة التي بين أيدي الناس اليوم محرَّفة مغيرة يدلك على ذلك هذا الاختلاف الذي تجده في أمور كثيرة بين نسخها وطبعاتها، فهناك ثلاث نسخ للتوراة: العبرانية، واليونانية، والسامرية، وكلُّ قوم يدَّعون أن نسختهم هي الصحيحة، وهناك فروق واضحة بين طبعات التوراة وترجماتها. وقد أدى هذا التحريف إلى ذهاب كثير من البشارات أو طمس معالمها، ومع ذلك فقد بقي من هذه البشارات شيء كثير، ولا تخفى هذه البشارات على من يتأملها، ويعرضها على سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم متجرداً من الهوى.

١ - ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم باسمه في التوراة:

لقد صرح بعض هذه البشارات باسم محمد صلى الله عليه وسلم وقد اطلع بعض علماء المسلمين على هذه النصوص، ولكنَّ التحريف المستمر لهذا الكتاب أتى على هذه النصوص، فمن ذلك ما ورد في سفر أشعيا (١): (إني جعلت أمرك محمداً، يا محمد يا قدوس الربّ، اسمك موجود من الأبد) (٢). وقوله إن اسم محمد موجود من الأبد موافق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إني مكتوب عند الله خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته)) (٣). وفي التوراة العبرانية في الإصحاح الثالث من سفر حبقوق: (وامتلأت الأرض من تحميد أحمد، ملك بيمينه رقاب الأمم).

وفي النسخة المطبوعة في لندن قديماً سنة ١٨٤٨، والأخرى المطبوعة في بيروت سنة ١٨٨٤، والنسخ القديمة تجد في سفر حبقوق النص في غاية الصراحة والوضوح: (لقد أضاءت السماء من بهاء محمد، امتلأت الأرض من حمده،. . زجرك في الأنهار، واحتدام صوتك في البحار، يا محمد ادن، لقد رأتك الجبال فارتاعت). ٢ - ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر يتعلق به:

وفي بعض الأحيان يذكر مكان مبعثه، ففي سفر التثنية الإصحاح الثالث والثلاثون، فقرة (٢): (جاء الربّ من سيناء، وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبل فاران " وسيناء هي الموضع الذي كلّم الله فيه موسى، وساعير الموضع الذي أوحى الله فيه لعيسى، وفاران هي جبال مكة، حيث أوحى الله لمحمد صلى الله عليه وسلم، وكون جبال فاران هي مكة، دلت عليه نصوص من التوراة. وقد جمع الله هذه الأماكن المقدسة في قوله: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ [التين: ١ - ٣] وذكرت التوراة مكان الوحي إليه، ففي سفر أشعيا الإصحاح (٢١) فقرة: (١٣) وحي من جهة بلاد العرب في الوعر). وقد كان بدء الوحي في بلاد العرب في الوعر في غار حراء.

وفي هذا الموضع من التوراة فقرة: (١٤) حديث عن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وإشارة إلى الجهة التي هاجر إليها (هاتوا ماءً لملاقاة العطشان يا سكان أرض تيماء، وافوا الهارب بخبزة، فإنهم من أمام السيوف قد هربوا، من أمام السيف المسلول، ومن أمام القوس المشدودة، ومن أمام شدة الحرب) وتيماء من أعمال المدينة المنورة، وإذا نظرت في النص ظهر لك بوضوح أنه يتحدث عن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم.


(١) ((الجواب الصحيح)) (٣/ ٣٢٦).
(٢) ((محمد نبي الإسلام)) (ص: ١٨).
(٣) رواه أحمد (٤/ ١٢٨) (١٧٢٠٣)، والبزار (١٠/ ١٣٥)، وابن حبان (١٤/ ٣١٢) (٦٤٠٤)، والطبراني (١٨/ ٢٥٣) (١٥٣٤١)، والحاكم (٢/ ٦٥٦)، والبغوي في ((شرح السنة)) (١٣/ ٢٠٧). قال البزار: لا نعلمه يروى بإسناد متصل أحسن من هذا الإسناد، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٨/ ٢٢٦): أحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح غير سعيد بن سويد وقد وثقه ابن حبان.

<<  <  ج: ص:  >  >>