للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أولا: الآثار الإيمانية لاسم الله الرحمن]

وإن من تأمل هذا الاسم الكريم أثمر ذلك في قلبه أمورا عظيمة، ومنها:

أولا: الحب:

فقد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها وكيف لا يحب الإنسان من أفاض عليه رحمته وعطفه ومنته وفضله ومن هو أرحم به من أمه، جاء في الصحيح أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي فإذا امرأة من السبي تبتغي إذ وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار) قالوا: لا والله وهي تقدر على أن لا تطرح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لله أرحم بعباده من هذه بولدها)) (١).

ثانيا: الرجاء وحسن الظن بالله:

قال العز بن عبد السلام: (من عرف سعة رحمة الله كان حاله الرجاء) (٢)، وفي الصحيح: ((قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي)) (٣).

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل: ((قال أذنب عبد ذنبا فقال اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى، عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب أعمل ما شئت فقد غفرت لك)) (٤).

وفي الحديث: ((أسرف رجل على نفسه –وفي رواية لم يعمل حسنة قط- فلما حضره الموت أوصى بنيه، فقال إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم اذروني في الريح في البحر فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه به أحدا، قال ففعلوا ذلك به فقال للأرض أدى ما أخذت فإذا هو قائم، فقال له ما حملك على ما صنعت، فقال خشيتك يا رب أو قال مخافتك، فغفر له بذلك)) (٥).

وقد دخل حماد بن سلمة على الثوري، فقال سفيان: أترى أن الله يغفر لمثلي، فقال حماد: والله لو خيرت بين محاسبة الله إياي وبين محاسبة أبوي لاخترت محاسبة الله؛ وذلك لأن الله أرحم بي من أبوي.

ومما يزيد العبد تعلقا بربه وإحسان الظن به أن الله تعالى يشكر عمل عبده مع قلته، بل ويغفر لصاحبه بسببه، وفي الحديث: ((بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش، فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب فشكر الله له فغر له))، قالوا يا رسول الله وإن لنا في هذه البهائم لأجرا، فقال: ((في كل كبد رطبة أجر)) (٦)، وفي لفظ ((أن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له بموقها فغفر لها)) (٧).

وفيه: ((كان على الطريق غصن شجرة يؤذي الناس فأماطها رجل فأدخل الجنة)) (٨).


(١) رواه البخاري (٥٩٩٩)، ومسلم (٢٧٥٤). من حديث عمر رضي الله عنه.
(٢) ((مختصر الفوائد في أحكام المقاصد)) (ص: ٢٠٣ - ٢٠٤) وانظر ((شجرة المعارف والأحوال)) (ص: ٨٣).
(٣) رواه البخاري (٧٤٠٥)، ومسلم (٢٦٧٥). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) رواه البخاري (٧٥٠٧)، ومسلم (٢٧٥٨). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٥) رواه البخاري (٣٤٨٢)، ومسلم (٢٧٥٦). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٦) رواه البخاري (٢٣٦٣)، ومسلم (٢٢٤٤). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٧) رواه البخاري (٣٤٦٧)، ومسلم (٢٢٤٥). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٨) رواه ابن ماجه (٢٩٨٤)، وأحمد (٢/ ٤٩٥) (١٠٤٣٦). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).

<<  <  ج: ص:  >  >>