للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه: ((كان تاجر يداين الناس فإذا رأى معسرا قال لفتيانه تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه)) (١).

وإن من حسن الظن بالله أن ترى البلاء رحمة ونعمة فكم من محنة محصت الذنوب ونبهت من الغفلة وذكرت بالنعمة، وكم من محنة أصبحت منحة أعادت إلى الله وأنقذت من شرك الشيطان:

إذا سر بالسراء عم سرورها ... وإن مس بالضراء أعقبها الأجر

وما منهما إلا له فيه نعمة ... تضيق بها الأوهام والبر والبحر

فإذا أصابك البلاء فهو رحمة، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الطاعون رحمة، فعن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون، فخبرها صلى الله عليه وسلم: ((أنه كان عذابا يبعثه الله على من يشاء فجعله الله رحمة للمؤمنين فليس من عبد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرا يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد)) (٢).

ولو لم يكن في البلاء إلا تكفير الذنوب لكفى في كونه رحمة وفضلا، وفي الحديث: ((ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)) (٣)، وفيه: ((ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها)) (٤)، وفي الترمذي: ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة)) (٥).

وقد يرى العبد الأمر شرا وهو خير له كما رأى موسى فعل الخضر شرا فكان خيرا.

ثالثا: الحياء:

إن التأمل في إحسان الله ورحمته يورث العبد حياء منه سبحانه وتعالى، فيستحي العبد المؤمن من خالقه أن يعصيه، ثم إن وقع في الذنب جهلا منه استحيا من الله بعد وقوعه في الذنب، ولذا كان الأنبياء يعتذرون عن الشفاعة للناس بذنوبهم خوفا وخجلا، وإن هذا لأمر قل من ينتبه له، بل قد يظن كثير من الناس أن التوبة والعفو قد غمر ذنوبه فلا يلتفت إلى الحياء بعد ذلك.

كان الأسود بن يزيد يجتهد في العبادة والصوم حتى يصفر جسده فلما احتضر بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ فقال: ما لي لا أجزع، والله لو أتيت بالمغفرة من الله لأهمني الحياء منه مما قد صنعت، إن الرجل ليكون بينه وبين آخر الذنب الصغير فيعفو عنه فلا يزال مستحييا منه.

و ((الله أحق أن يستحيا منه من الناس)) (٦).

رابعاً: رحمة الخلق:

ومن استشعر رحمة الله تعالى وشاهد ذلك بقلب صادق أفاض على قلبه رحمة الخلق، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أرحم الخلق بالخلق، وسماه ربه رحيما فقال تعالى: بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة: ١٢٨].


(١) رواه البخاري (٢٠٧٨)، ومسلم (١٥٦٢). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) رواه البخاري (٥٧٣٤). من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٣) رواه البخاري (٥٦٤١، ٥٦٤٢)، ومسلم (٢٥٧٣). من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما.
(٤) رواه البخاري (٥٦٤٠)، ومسلم (٢٥٧٢). من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٥) رواه الترمذي (٢٣٩٩)، وأحمد (٢/ ٤٥٠) (٩٨١٠)، وابن حبان (٧/ ١٧٦) (٢٩١٣)، والحاكم (٤/ ٣٥٠). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وصحح إسناده عبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (٨٣٣) كما أشار إلى ذلك في المقدمة.
(٦) رواه أبو داود (٤٠١٧)، والترمذي (٢٧٦٩)، وابن ماجه (١٩٢٠)، وأحمد (٥/ ٣) (٢٠٠٤٦)، والحاكم (٤/ ١٩٩). من حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: حديث حسن، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وحسنه ابن حجر في ((هداية الساري)) (٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>