للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أبصر الأقرع بن حابس النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن، فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه من لا يرحم لا يرحم)) (١).

ولما قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أتقبلون صبيانكم، فقالوا نعم، فقالوا لكن والله ما نقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وأملك إن كان الله نزع منك الرحمة)) (٢).

وتتبين آثار رحمته صلى الله عليه وسلم حينما رأى ابنه إبراهيم وهو في سكرات الموت، قال أنس لقد رأيته وهو يكيد بنفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون)) (٣) وفي رواية البخاري: ((فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله فقال: يا ابن عوف إنها رحمة)) (٤).

وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الرحمة، بل وجعلها سببا لرحمة الله تعالى، وجعل من نزعت منه الرحمة شقيا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((من لا يرحم الناس لا يرحمه الله عز وجل)) (٥)، وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تنزع الرحمة إلا من شقي)) (٦)، وكان ابن لبعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم يقضي فأرسلت إليه أن يأتيها فأرسل: ((إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل إلى أجل مسمى فلتصبر ولتحتسب))، فأرسلت إليه فأقسمت عليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أسامة ومعاذ بن جبل وسعد بن عبادة، فلما دخل ناولوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي ونفسه تقعقع في صدره فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال سعد بن عبادة أتبكي! فقال: ((هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)) (٧)، وفي الترمذي: ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)) (٨).

قال الطيبي: (أتي بصيغة العموم ليشمل جميع أصناف الخلق فيرحم البر والفاجر والناطق والبهم والوحوش والطير) (٩).

رحمة تغيب عن كثير من الأذهان:


(١) رواه البخاري (٥٩٩٧)، ومسلم (٢٣١٨).
(٢) رواه البخاري (٥٩٩٨)، ومسلم (٢٣١٧). من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٣) رواه البخاري (١٣٠٣)، ومسلم (٢٣١٥).
(٤) رواه البخاري (١٣٠٣).
(٥) رواه البخاري (٧٣٧٦)، ومسلم (٢٣١٩). من حديث جرير بن عبدالله رضي الله عنه.
(٦) رواه أبو داود (٤٩٤٢)، والترمذي (١٩٢٣)، وأحمد (٢/ ٣٠١) (٧٩٨٨)، وابن حبان (٢/ ٢١٣) (٤٦٦)، والحاكم (٤/ ٢٧٧). من حديث أنس رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وحسنه الترمذي، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
(٧) رواه البخاري (١٢٨٤)، ومسلم (٩٢٣). من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه.
(٨) رواه أبو داود (٤٩٤١)، والترمذي (١٩٢٤)، وأحمد (٢/ ١٦٠) (٦٤٩٤)، والحاكم (٤/ ١٧٥). من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما. والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه العراقي في ((الأربعون العشارية)) (ص: ١٢٥).
(٩) ((تحفة الأحوذي)) (٦/ ٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>