للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الرحمة التي تغيب عن كثير من الأذهان رحمة عموم الخلق مسلمهم وكافرهم، قال ابن تيمية في أهل البدع: (ومن وجه آخر إذا نظرت إليهم بعين القدر –والحيرة مستولية عليهم، والشيطان مستحوذ عليهم- رحمتهم ورفقت عليهم، وأتوا ذكاء وما أتوا زكاء، وأعطوا فهوما وما أعطوا علوما، وأعطوا سمعا وأبصارا وأفئدة فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [الأحقاف: ٢٦] (١).

وقال ابن القيم:

وانظر بعين الحكم وارحمهم بها ... إذ لا ترد مشيئة الديان

وانظر بعين الأمر واحملهم على ... أحكامه فهما إذا نظران

واجعل لقلبك مقلتين كلاهما ... من خشية الرحمن باكيتان

لو شاء ربك كنت أيضا مثلهم ... فالقلب بين أصابع الرحمن

تنبيهان:

وختاما للتأمل في هذا الاسم الكريم لا بد من التنبيه على أمرين: أولهما: أن رحمة الله الخاصة إنما تحصل بطاعة الله واتباع مرضاته فالله عز وجل يقول: إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: ٥٦].

وليس لمن عصى الله أن يتعلق باسمه الرحمن ليستمر في العصيان فالله تعالى يقول: نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ [الحجر: ٤٩ - ٥٠]، وقد حج عمر بن عبد العزيز مع سليمان بن عبد الملك فأصابهم برق ورعد كادت تنخلع له قلوبهم، فقال سليمان: هل رأيت مثل هذه الليلة أو سمعت بها، قال: يا أمير المؤمنين هذا صوت رحمة الله فكيف لو سمعت صوت عذاب الله (٢). وفي الحديث: ((لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد)) (٣).

ثانيهما: أن ما ذكر من آثار وتأملات في هذا الاسم الكريم إنما هي قطرة من بحر وزهرة من بستان، فلو سودت الدفاتر والأوراق كلها ما أدركت جميع ما في هذا الاسم من الأسرار والمعاني، وهكذا كل اسم من أسماء الله تعالى، وإنما هي فتوحات يفتح الله بها لكل عبد بحسبه، ولو اجتمعت فتوحات الخلق جميعا لما أدركوا جميع ما في كل اسم من أسماء الله تعالى. التعبد بالأسماء والصفات لمحات علمية إيمانية لوليد بن فهد الودعان – ص: ٩٥


(١) ((الفتوى الحموية)) (ص: ٥٥٣) وانظر كلاما جميل عن ذلك في ((مدارج السالكين)) (١/ ٤٥٩).
(٢) رواه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (٤٥/ ١٥٣).
(٣) رواه مسلم (٢٧٥٥). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>