للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[- الساق]

صفةٌ من صفات الذات الخبريَّة، ثابتةٌ لله تعالى بالكتاب وصريحِ السنة الصحيحة.

الدليل من الكتاب:

قوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إلى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ [القلم: ٤٢].

الدليل من السنة:

حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((فيكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن)) (١).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الوجه السادس: أنه من أين في ظاهر القرآن أنَّ لله ساقاً وليس معه إلا قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، والصحابة قد تنازعوا في تفسير الآية؛ هل المراد به الكشف عن الشِّدَّة، أو المراد به أنه يكشف الرب عن ساقه؟ ولم تتنازع الصحابة والتابعون فيما يذكر من آياتِ الصفات إلا في هذه الآية؛ بخلاف قوله: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:٧٥]، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن:٢٧] ونحو ذلك؛ فإنه لم يتنازع فيها الصحابة والتابعون، وذلك أنه ليس في ظاهر القرآن أنَّ ذلك صفة لله تعالى؛ لأنه قال: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، ولم يقل: عن ساق الله، ولا قال: يكشف الرب عن ساقه، وإنما ذكر ساقاً نكرة غير معرفة ولا مضافة، وهذا اللفظ بمجرده لا يدل على أنها ساق الله، والذين جعلوا ذلك من صفات الله تعالى أثبتوه بالحديث الصحيح المفسر للقرآن، وهو حديث أبي سعيد الخدري المخرج في (الصحيحين)، الذي قال فيه ((فيكشف الرب عن ساقه) وقد يقال: إنَّ ظاهر القرآن يدل على ذلك من جهة أنه أخبر أنه يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود، والسجود لا يصلح إلا لله، فعلم أنه هو الكاشف عن ساقه وأيضاً فحمل ذلك على الشِّدَّة لا يصح، لأن المستعمل في الشِّدَّة أن يقال: كشف الله الشِّدَّة، أي: أزالها، كما قال: فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ [الزخرف:٥٠]، وقال: فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ [الأعراف:١٣٥]، وقال: وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [المؤمنون:٧٥]، وإذا كان المعروف من ذلك في اللغة أن يقال: كشف الشِّدَّة؛ أي: أزالها؛ فلفظ الآية: يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، وهذا يراد به الإظهار والإبانة؛ كما قال: كَشَفْنَا عَنْهُمُ وأيضاً فهناك تحدث الشِّدَّة لا يزيلها، فلا يكشف الشِّدَّة يوم القيامة، لكن هذا الظاهر ليس ظاهراً من مجرد لفظة سَاقٍ، بل بالتركيب والسياق وتدبر المعنى المقصود اهـ (٢).

ولتلميذه ابن القيم في (الصواعق المرسلة) كلام شبيه بهذا، قال رحمه الله: الثامن: أن نقول من أين في ظاهر القرآن أنَّ لله ساقاً؟ وليس معك إلا قوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ [القلم: ٤٢]، والصحابة متنازعون في تفسير الآية؛ هل المراد الكشف عن الشِّدَّة، أو المراد بها أنَّ الرب تعالى يكشف عن ساقه؟ ولا يحفظ عن الصحابة والتابعين نزاع فيما يذكر أنه من الصفات أم لا في غير هذا الموضع، وليس في ظاهر القرآن ما يدل على أنَّ ذلك صفة الله؛ لأنه سبحانه لم يضف الساق إليه، وإنما ذكره مجرداً عن الإضافة منكراً، والذين أثبتوا ذلك صفة كاليدين والإصبع لم يأخذوا ذلك من ظاهر القرآن، وإنما أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدري المتفق على صحته، وهو حديث الشفاعة الطويل، وفيه: ((فيكشف الرب عن ساقه، فيخرون له سُجَّداً))، ومن حمل الآية على ذلك؛ قال: قوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إلى السُّجُودِ [القلم: ٤٢]: مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم: ((فيكشف عن ساقه، فيخرون له سجداً)) وتنكيره للتعظيم والتفخيم، كأنه قال: يكشف عن ساق عظيمة؛ جلت عظمتها، وتعالى شأنها أن يكون لها نظير أو مثيل أو شبيه قالوا: وحمل الآية على الشِّدَّة لا يصح بوجه، فإن لغة القوم في مثل ذلك أن يقال: كُشِفَتِ الشِّدَّة عن القوم، لا كُشِف عنها، كما قال الله تعالى: فَلَمَّا كشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ [الزخرف: ٥٠]، وقال: وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ [المؤمنون: ٧٥]؛ فالعذاب والشِّدَّة هو المكشوف لا المكشوف عنه، وأيضاً فهناك تحدث الشِّدَّة وتشتد ولا تزال إلا بدخول الجنة، وهناك لا يدعون إلى السجود، وإنما يدعون إليه أشد ما كانت الشِّدَّة اهـ (٣)

قلتُ: ليس مقصود الإمامين الجليلين أنَّ الصحابة اختلفوا في إثبات صفة السَّاق لله عَزَّ وجَلَّ مع ورودها صراحةً في حديث أبي سعيد المتقدم، بل مقصودهما أنهم اختلفوا في تفسير الآية؛ هل المراد بها الكشف عن الشِّدَّة، أو المراد الكشف عن ساق الله؟ والله أعلم. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص١٦٣


(١) رواه البخاري (٧٤٣٩) واللفظ له، ومسلم (١٨٣).
(٢) ((نقض أساس التقديس)) (ق/٢٦١).
(٣) (١/ ٢٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>