للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث التاسع: التفاضل في الحساب]

قسم الله عباده في الحساب قسمين:

الأول: من يكون حسابه يسيراً وهم أهل اليمين، قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا [الانشقاق: ٧ - ٨].

الثاني: من يلقى سوء الحساب وهم أهل جهنم، قال تعالى: لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [الرعد: ١٨]. وفي نصوص السنة دلالة على أن المؤمنين في الحساب ثلاثة أصناف:

فصنف لا يحاسب، وهؤلاء طائفة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أخبر عنهم صلى الله عليه وسلم, وعدتهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بلا حساب، ففي الحديث: ((عرضت علي الأمم، فجعل يمر النبي ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي معه الرهط، والنبي ليس معه أحد، ورأيت سواداً سد الأفق، فرجوت أن تكون أمتي، فقيل: هذا موسى وقومه، ثم قيل: انظر، فرأيت سواداً كثيراً سد الأفق، فقيل لي: انظر هكذا وهكذا، فرأيت سواداً كثيراً سد الأفق، فقيل: هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفاً يدخلون الجنة بلا حساب)) (١).

وفي رواية: ((هؤلاء أمتك، وهؤلاء سبعون ألفاً قدامهم لا حساب عليهم ولا عذاب)) (٢).

فهذه زيادة فضيلة لهؤلاء أنهم يتقدمون الأمة، وجاء في وصفهم أنهم يدخلون الجنة: ((متماسكين آخذ بعضهم ببعض، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر)) (٣).

وفي حديث آخر أنهم يدخلون زمرة واحدة (٤).

وفي رواية في الصحيحين: ((سبعون ألفاً، أو سبعمائة ألف)) شك من الراوي (٥).

ووقع في أحاديث أخرى في غير الصحيحين أن مع السبعين ألفاً زيادة عليهم (٦).

والصنف الثاني: لا يناقشون الحساب، وإنما تعرض أعمالهم ثم يتجاوز لهم عنها، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من نوقش الحساب عذب)) فقالت عائشة: ((أو ليس يقول الله تعالى: فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا – فقال: إنما ذلك العرض, ولكن من نوقش الحساب يهلك)) (٧).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته: اللهم حاسبني حساباً يسيراً, فلما انصرف قلت: يا نبي الله ما الحساب اليسير؟ قال: أن ينظر في كتابه فيتجاوز عنه – (وفي رواية قال: الرجل تعرض عليه ذنوبه ثم يتجاوز له عنها) – أن من نوقش الحساب يومئذ يا عائشة هلك)) (٨).


(١) رواه البخاري (٥٧٥٢)، ومسلم (٢٢٠). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٢) رواه البخاري (٦٥٤١)، ومسلم (٢١٦). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٣) رواه البخاري (٦٥٥٤)، ومسلم (٢١٩). من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
(٤) رواه مسلم (٢١٧). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٥) رواه البخاري (٦٥٤٣)، ومسلم (٢١٩). من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
(٦) ((فتح الباري)) (١١/ ٤١٠).
(٧) رواه البخاري (١٠٣). من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٨) رواه أحمد (٦/ ٤٨) (٢٤٢٦١)، والحاكم (١/ ١٢٥). هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (٥/ ١٧٥): أصله في الصحيح، وجود إسناده الألباني في ((أصل صفة الصلاة)) (٣/ ١٠٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>