للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرع الثاني: هل يضمن المنكر ما أتلفه؟]

المسألة خلافية بين العلماء فبعضهم يقول لا يضمن ما أتلفه؛ لأن ما أتلفه منكر ومحرم فثمنه حرام فلا ضمان عليه. وبعضهم يقول ما يزول به المنكر لا ضمان فيه وأما الباقي فيضمنه.

ذكر الخلال في كتابه بسنده عن أبي الحصين أن شريحاً أتي في طنبور فلم يقض فيه بشيء (١).

وقال الخلال أخبرني محمد بن أبي هارون، أن يحيى بن يزدان أبا السفر حدثهم، أنه سأل أبا عبد الله عن رجل رأى في يد رجل عوداً، أو طنبوراً فكسره أصاب أو أخطأ وما عليه في كسره شيء؟ فقال قد أحسن وليس عليه في كسره شيء (٢).

وقال ابن قدامة: وإن كسر صليباً أو مزماراً أو طنبوراً أو صنماً لم يضمنه.

وقال الشافعي: إن كان ذلك إذا فصل يصلح لنفع مباح، وإذا كسر لم يصلح لنفع مباح لزمه ما بين قيمته منفصلاً ومكسوراً. لأنه أتلف بالكسر ما له قيمة، وإن كان لا يصلح لمنفعة مباحة لم يلزمه ضمانه.

وقال أبو حنيفة: يضمن. ولنا أنه لا يحل بيعه فلم يضمنه كالميتة. والدليل على أنه لا يحل بيعه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام)) متفق عليه (٣) ..........

وقال ابن عبد القوي في منظومته:

ولا غرم في دف الصنوج كسرته ... ولا صور أيضاً ولا آلة الدد

وآلة تنجيم وسحر ونحوه ... وكتب حوت هذا وأشباهه أقدد

وبيض وجوز للقمار بقدر ما ... يزيل عن المنكور مقصد مفسد

ولا شق زق الخمر أو كسر دنه ... إذا عجز الإنكار دون التقدد

وإن يتأتى دونه دفع منكر ... ضمنت الذي ينقي بتغسيليه قد (٤)

ورأي ابن عبد القوي في هذه المسألة التفصيل.

... والذي يظهر ... أن الاختلاف يتعلق بالمنكر نفسه فأحياناً يكون كله منكراً، وأحياناً يجمع بين المنكر والمعروف. فإذا كان كله منكراً كالعود –آلة الغناء- فهذا يكسر ولا ضمان فيه؛ لأنه مخصص لهذا الغرض فقط ولا يمكن الاستفادة منه بشيء آخر. وإن كان فيه من هذا وذاك فالأولى إزالة المنكر وترك ما عداه. فمثلاً: إذا كان فيه كتاب فيه فصول جيدة ولكن فيه فصل خبيث. فتمزق أوراق هذا الفصل ويترك الباقي. وكذلك الحال لو كان فيه مجلة فيها مقالات طيبة ولكن فيها صورة خليعة فتمزق هذه الصورة ويترك الباقي. ولكن ينبغي أن يعلم إذا كانت المصلحة تقتضي إتلاف الذي جمع بين المنكر والمعروف فإنه يتلف ولا ضمان.

فعلى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يزن هذه الأمور بميزان الشرع ثم يمضي لتنفيذ أمر الله تعالى. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعبد العزيز بن أحمد المسعود – بتصرف – ص ٥١٦


(١) ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) الخلال (ص: ١٢٩).
(٢) ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) الخلال (ص: ١٢٩).
(٣) رواه البخاري (٢٢٣٦)، ومسلم (١٥٨١).
(٤) ((غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب)) (١/ ٢٤٣ – ٢٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>