للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الأول: تعريف الكفر]

الكفر لغة: الستر والتغطية قال أبو عبيد: وأما الكافر فيقال والله أعلم: إنما سمي كافرا لأنه متكفّر به كالمتكفّر بالسلاح وهو الذي قد ألبسه السلاح حتى غطّى كل شيء منه، وكذلك غطى الكفر قلب الكافر، ولهذا قيل لليل: كافر؛ لأنه ألبس كل شيء. قال لبيد يذكر الشمس:

حتى إذا ألقت يدا في كافر وأجنّ عورات الثغور ظلامُها

وقال أيضاً: في ليلة كفر النجومَ غمامُها.

ويقال: الكافر سمي بذلك للجحود، كما يقال: كافرني فلان حقي إذا جحده حقه) (١).

وقال ابن قتيبة: (أما الكافر، فهو من قولك: كفَرْت الشيء إذا غطَّيْته، ومنه يقال: تكفّر فلان في السّلاح إذا لَبِسَه. وقال بعضهم: ومنه كافور النَّخْل وهو قشر الطَّلْعة تقديره فاعُول لأنَّه يغطّي الكُفُرَّى. ومنه قيل: ليلٌ كافر لأنَّه يسْتُر كل شيء. قال لبيد وذكر الشمس:

حتى إذا ألقت يداً في كافِر ... وأجنَّ عَوْراتِ الثّغور ظَلامُها

قوله: ألقت يداً في كافر، أي دخل أولها في الغور، وهو مثل قول الآخر يصف ظليما أو نعامة:

فتذكَّرا ثَقَلاً رشيداً بعدما ... ألقَتْ ذُكاء يمينها في كافر

وذُكاء: هي الشمس، ومنه يقال للصُّبْح: ابن ذُكاء؛ لأنَّ ضوءه من الشمس، فكأن الأصل في قولهم: كافر، أي ساتر لِنِعَم الله عليه. وكان بعض المُحَدِّثين يذهب في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ)) (٢) إلى التكفُّر في السلاح، يريد: ترجعوا بعد الولاية أعداء يتكفَّر بعضكم لبعض في الحرب) (٣).

وقال الأزهري: (وقال الليث: يقال: إنه سُمِّيَ الكافر كافراً لأن الكُفر غطّى قلبه كلَّه.

قلت: ومعنى قول الليث: قيل له كافر لأن الكفر غطَّى قلبه، يحتاج إلى بيان يدلُّ عليه، وإيضاحه أن الكفر في اللغة معناه التَّغطية، والكافر ذو كفر أي ذو تغطية لقلبه بكفره، كما يقال للابس السِّلاح: كافر وهو الذي غطاه السلاح.

ومثله رجل كاسٍ: ذو كسوة، وماء دافق: ذو دَفق.

وفيه قول آخر: وهو أحسن مما ذهب إليه الليث. وذلك أن الكافر لما دعاه الله جل وعز إلى توحيده فقد دعاه إلى نعمة يُنعم بها عليه إذا قبلها، فلما ردَّ ما دعاه إليه من توحيده كان كافراً نعمة الله أي مغطياً لها بإبائه حاجباً لها عنه.

وأخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت أنه قال: إذا لبس الرجل فوق درعه ثوبا فهو كافرٌ، وقد كفر فوق درعه. قال: وكل ما غطى شيئاً فقد كفره، ومنه قيل لليل: كافر لأنه ستر بظلمته كل شيء وغطاه. قال: ومنه سُمِّي الكافر كافراً لأنه ستر نعم الله.

قلت: ونعم الله جل وعز: آياته الدالة على توحيده. والعرب تقول للزارع: كافر لأنه يكفر البذر المبذور في الأرض بتراب الأرض التي أثارها ثم أمرَّ عليها مالَقَه، ومنه قول الله عز وجل: كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفارَ نَبَاتُهُ [الحديد:٢٠] أي أعجب الزُّراع نباته مع علمهم به فهو غاية ما يستحسن، والغيث هاهنا: المطر، والله أعلم) (٤).

والكفر شرعا: ضد الإيمان، فيكون قولا وعملا واعتقادا وتركا، كما أن الإيمان قول وعمل واعتقاد.

وهذا مما اتفق عليه أهل السنة والجماعة، خلافا لمن حصر الكفر في التكذيب أو الجحود بالقلب أو بالقلب واللسان، ونفى أن يكون بالعمل أو بالترك.


(١) ((غريب الحديث)) لأبي عبيد (٣/ ١٣).
(٢) رواه البخاري (١٢)، ومسلم (٦٥).
(٣) ((غريب الحديث)) لابن قتيبة (١/ ٢٤٧).
(٤) ((تهذيب اللغة)) للأزهري (١٠/ ١٩٤)، و ((لسان العرب)) (٥/ ١٤٥) مادة: كفر.

<<  <  ج: ص:  >  >>