للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولاً: التنجيم

عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من اقتبس شعبة من النجوم، فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد)). رواه أبو داود، وإسناده صحيح (١).

قوله: (من). شرطية، وفعل الشرط: (اقتبس)، وجوابه: (فقد اقتبس).

قوله: (اقتبس). أي تعلم، لأن التعلم وهو أخذ الطالب من العالم شيئاً من علمه بمنزلة الرجل يقتبس من صاحب النار شعلة.

قوله: (شعبة). أي: طائفة، ومنه قوله تعالى: وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ [الحجرات: ١٣]، أي: طوائف وقبائل.

قوله: (من النجوم). المراد: علم النجوم، وليس المراد النجوم أنفسها، لأن النجوم لا يمكن أن تقتبس وتتعلم، والمراد به هنا علم النجوم الذي يستدل به على الحوادث الأرضية، فيستدل مثلاً باقتران النجم الفلاني بالنجم الفلاني على أنه سيحدث كذا وكذا.

ويستدل بولادة إنسان في هذا النجم على أنه سيكون سعيداً، وفي النجم الآخر على أنه سيكون شقياً، فيستدلون باختلاف أحوال النجوم على اختلاف الحوادث الأرضية، والحوادث الأرضية من عند الله، قد تكون أسبابها معلومة لنا، وقد تكون مجهولة، لكن ليس للنجوم بها علاقة، ولهذا جاء في حديث زيد بن خالد الجهني في غزوة الحديبية، قال: صلى بنا رسول الله ذات ليلة على إثر سماء من الليل، فقال: ((قال الله تعالى: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فمن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا ـ بنوء يعني: بنجم، والباء للسببية، يعني: هذا المطر من النجم ـ، فإنه كافر بي مؤمن بالكوكب، ومن قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب)) (٢).

فالنجوم لا تأتي بالمطر ولا تأتي بالرياح أيضاً، ومنه نأخذ خطأ العوام الذين يقولون: إذا هبت الريح طلع النجم الفلاني، لأن النجوم لا تأثير لها بالرياح، صحيح أن بعض الأوقات والفصول يكون فيها ريح ومطر، فهي ظرف لهما، وليست سبباً للريح أو المطر.

وعلم النجوم ينقسم إلى قسمين:


(١) [١٠٧٨٩])) رواه أبو داود (٣٩٠٥) , وابن ماجه (٣٧٢٦) , وأحمد (١/ ٢٢٧) (٢٠٠٠) والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (٨/ ١٣٨) , والطبراني (١١/ ١٣٥) , كلهم رووه بلفظ: ((من اقتبس علماً من النجوم)) بدلاً من ((من اقتبس شعبةً من النجوم)) , والحديث سكت عنه ابو داود, وقال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (٣٥/ ١٩٣) , والنووي في ((رياض الصالحين)) (٥٣٦) , والعراقي في ((تخريج الإحياء)) (٤/ ١٤٤) , وأحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (٣/ ٣١٢): إسناده صحيح, وصححه الألباني في ((صحيح ابن ماجه)).
(٢) [١٠٧٩٠])) رواه البخاري (٨٤٦) , ومسلم (٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>