للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أطلق السحر على ما فيه التخييل في قلب الأعيان وإن لم يكن السحر الحقيقي، كما في (الصحيحين) عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من البيان لسحراً)) (١) يعني لتضمنه التخييل فيخيل الباطل في صورة الحق، وإنما عني به البيان في المفاخرة والخصومات بالباطل ونحوها كما يدل عليه أصل القصة في التميميين اللذين تفاخرا عنده بأحسابهما وطعن أحدهما في حسب الآخر ونسبه، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: ((إنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأحكم له على نحو ما أسمع، فمن حكمت له من حق أخيه بشيء فإنما هو قطعة من النار)) (٢) أو كما قال: وهو في الصحيح، وأما البيان بالحق لنصرة الحق فهو فريضة على كل مسلم ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وهو من الجهاد في سبيل الله عز وجل. وقد سمى صلى الله عليه وسلم ما يعمل عمل السحر سحراً وإن لم يكن سحراً كقوله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم ما العضة، هي النميمة، القالة بين الناس)) رواه مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه (٣). والعضة في لغة قريش السحر، ويقولون للساحر عاضه، فسمى النميمة سحراً لأنها تعمل عمل السحر في التفرقة بين المرء وزوجه وغيرها من المتحابين بل هي أعظم في الوشاية لأنها تثير العداوة بين الأخوين. وتسعر الحرب بين المتسالمين كما هو معروف مشاهد لا ينكر. وقد جاء الوعيد للقتات في الآيات والأحاديث كثيرة جداً. ومع هذا فالخداع للكفار للفتك بهم وإظهار المسلمين عليهم وكسر شوكتهم وتفريق كلمتهم من أعظم الجهاد وأنفعه وأشده نكاية فيهم كما فعله نعيم بن مسعود الغطفاني رضي الله عنه في تفريق كلمة الأحزاب بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فرق بين قريش وبين يهود بني قريظة ونقض الله بذلك ما أبرموه ولله الحمد والمنة معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي– ص٧٠٥


(١) [١٠٧٨٦])) رواه البخاري (٥١٤٦) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما, ومسلم (٨٦٩) من حديث عمار رضي الله عنه.
(٢) [١٠٧٨٧])) رواه البخاري (٢٦٨٠) , ومسلم (١٧١٣).
(٣) [١٠٧٨٨])) رواه مسلم (٢٦٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>