للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المسألة الثانية: معنى إحصاء أسماء الله]

معنى قوله ((من أحصاها)) وهو يحتمل وجوها:

- أن يعدها حتى يستوفيها حفظاً, ويدعو ربه بها، ويثني عليه بجميعها، كقوله تعالى: لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا [الجن: ٢٨]. واستدل له الخطابي بقوله صلى الله عليه وسلم – كما في الرواية الأخرى – ((من حفظها دخل الجنة)) (١) (٢).

وقال النووي: قال البخاري وغيره من المحققين: معناه حفظها, وهذا هو الأظهر لثبوته نصاً في الخبر.

وقال في الأذكار: وهو قول الأكثرين (٣).

وقال ابن الجوزي: لما ثبت في بعض طرق الحديث ((من حفظها)) بدل ((من أحصاها))، اخترنا أن المراد (العد) أي: من عدها ليستوفيها حفظاً.

ورد هذا القول الحافظ فقال: وفيه نظر، لأنه لا يلزم من مجيئه بلفظ ((حفظها)) تعيين السرد عن ظهر قلب, بل يحتمل الحفظ المعنوي.

وقال الأصيلي: ليس المراد بالإحصاء عدها فقط, لأنه قد يعدها الفاجر، وإنما المراد العلم بها.

وكذا قال أبو نعيم الأصبهاني وابن عطية (٤).

- أن يكون المراد بالإحصاء (الإطاقة)، كقوله تعالى: عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ [المزمل: ٢٠] أي لن تطيقوه، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم ((استقيموا ولن تحصوا .. )) (٥). أي: لن تبلغوا كل الاستقامة.

فيكون المعنى: أن يطبق الأسماء الحسنى ويحسن المراعاة لها، وأن يعمل بمقتضاها، وأن يعتبرها فيلزم نفسه بواجبها.

فإذا قال: يا رحمن يا رحيم، تذكر صفة الرحمة، واعتقد أنها من صفات الله سبحانه، فيرجو رحمته ولا ييأس من مغفرته.

وإذا قال: (السميع البصير) علم أنه يراه ويسمعه, وأنه لا تخفى عليه خافية، فيخافه في سره, وعلنه, ويراقبه في كافة أحواله.

وإذا قال: (الرزاق) اعتقد أنه المتكفل برزقه يسوقه إليه في وقته, فيثق بوعده, ويعلم أنه لا رازق له سواه .. إلخ (٦).

وقال أبو عمر الطلمنكي: من تمام المعرفة بأسماء الله تعالى وصفاته التي يستحق بها الداعي والحافظ ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، المعرفة بالأسماء والصفات, وما تتضمن من الفوائد, وتدل عليه من الحقائق، ومن لم يعلم ذلك لم يكن عالماً لمعاني الأسماء، ولا مستفيداً بذكرها ما تدل عليه من المعاني اهـ (٧).

- أن يكون الإحصاء بمعنى العقل والمعرفة, فيكون معناه أن من عرفها، وعقل معانيها، وآمن بها دخل الجنة، وهو مأخوذ من الحصاة وهي العقل، والعرب تقول: فلان ذو حصاة، أي: ذو عقل، ومعرفة بالأمور (٨).

قال القرطبي: المرجو من كرم الله تعالى أن من حصل له إحصاء هذه الأسماء على إحدى هذه المراتب مع صحة النية أن يدخله الله الجنة.


(١) رواه البخاري (٦٤١٠)، ومسلم (٢٦٧٧). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) ((شأن الدعاء)) (٢٦).
(٣) ((الأذكار)) (٦٤).
(٤) ((الفتح)) (١١/ ٢٢٦).
(٥) رواه ابن ماجه (٢٢٦)، وأحمد (٥/ ٢٧٦) (٢٢٤٣٢)، والدارمى (١/ ١٧٤) (٦٥٥)، وابن حبان (٣/ ٣١١) (١٠٣٧)، والطبراني (٢/ ١٠١) (١٤٤٤)، والحاكم (٤٤٧)، والبيهقي (١/ ٨٢) (٣٨٩). من حديث ثوبان رضي الله عنه. قال البوصيري في ((زوائد ابن ماجه)) (١/ ٤٧): هذا الحديث رجاله ثقات أثبات، إلا أنه منقطع بين سالم وثوبان، فإنه لم يسمع منه بلا خلاف، لكن له طرق أخرى متصلة، وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (١/ ١٣٠): إسناده صحيح، وجوّد إسناده النووي في ((المجموع)) (٢/ ٤)، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (١/ ١٨١) كما قال في المقدمة.
(٦) ((شأن الدعاء)) ص (٢٧ - ٢٨) ((الفتح)) (١١/ ٢٢٥ - ٢٢٦).
(٧) ((الفتح)) (١١/ ٢٢٦).
(٨) ((شأن الدعاء)) ص (٢٨ - ٢٩) ((الفتح)) (١١/ ٢٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>