للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: لفظ (الإمام) في الكتاب والسنة]

هذا وقد ورد لفظ (الإمام) في القرآن الكريم بصيغة الإفراد في عدة مواضع منها قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة: ١٢٤]. والمعنى: (أني مُصَيِّرُك للناس إمامًا يؤتم به، ويقتدى به) (١).

كما ورد في قوله تعالى حكاية عن دعاء المؤمنين: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان: ٧٤] أي: (أئمة يقتدي بنا من بعدنا) (٢) وقال البخاري: (أئمة نقتدي بمن قبلنا، ويقتدي بنا من بعدنا) (٣).

وورد اللفظ بصيغة الجمع في قوله تعالى: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا [الأنبياء: ٧٣]. أي: (أئمة يؤتم بهم في الخير في طاعة الله في اتباع أمره ونهيه، ويقتدى بهم، ويتبعون عليه) (٤).

وفي قوله تعالى: وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ [القصص: ٥] أي: ولاة وملوكًا (٥).

كما ورد اللفظ بمعنى: من يؤتم بهم في الشر. فقال تعالى: فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ [التوبة: ١٢] أي: (رؤساء الكفر بالله) (٦) وقوله: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ [القصص: ٤١] أي: (جعلنا فرعون وقومه أئمة يأتم بهم أهل العتو على الله والكفر به) (٧). لكن إذا أطلق لفظ (الإمام) فإنه لا ينصرف إلى أئمة الباطل، لأنه ورد ذكرهم في القرآن بهذه الكلمة مقيدة. كما في هذه الآيات.

وورد اللفظ أيضًا في مواطن كثيرة من الحديث النبوي الشريف منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الإمام الأعظم الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته .. )) الحديث (٨). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الأئمة من قريش)) (٩). والمراد: الحاكم أو الخليفة.

إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة.

وهكذا أخذت الإمامة معناً اصطلاحيًا إسلاميًا، فقصد بالإمام: خليفة المسلمين وحاكمهم، وتوصف الإمامة أحيانًا بالإمامة العظمى أو الكبرى تمييزًا لها عن الإمامة في الصلاة، على أن الإمامة إذا أطلقت فإنها توجه إلى الإمامة الكبرى أو العامة، كما أوضح ذلك ابن حزم رحمه الله (١٠). الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة لعبدالله بن عمر الدميجي – ص: ٣٠


(١) [١٢٨٧٥])) ((تفسير الطبري)) (٢/ ١٨).
(٢) [١٢٨٧٦])) ((تفسير الطبري)) (١٩/ ٣١٩)
(٣) [١٢٨٧٧])) ((صحيح البخاري)) قبل حديث (٧٢٧٥).
(٤) [١٢٨٧٨])) ((تفسير الطبري)) (١٨/ ٤٧٢)
(٥) [١٢٨٧٩])) ((تفسير الطبري)) (١٩/ ٥١٧).
(٦) [١٢٨٨٠])) ((تفسير الطبري)) (١٤/ ١٥٤).
(٧) [١٢٨٨١])) ((تفسير الطبري)) (١٩/ ٥٨٣).
(٨) رواه البخاري (٧١٣٨)، ومسلم (١٨٢٩). من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(٩) رواه أحمد (٤/ ٤٢١) (١٩٧٩٢) , وابن أبي عاصم في ((السنة)) (٢/ ٢٩٤) , من حديث أبي برزة الأسلمي, قال ابن كثير في ((تحفة الطالب)) (ص: ٢١١): يقوى لأن له سندين جيدين, وصححه الألباني في ((ظلال الجنة)) (ص: ١١٢٥). وروي عن أبي هريرة وعلي وأنس رضي الله عنهم.
(١٠) [١٢٨٨٤])) ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) (٤/ ٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>