للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: ما روي عن الإمام مالك في زيادة الإيمان ونقصانه]

لقد جاء عن الإمام مالك رحمه الله تعالى في مسألة زيادة الإيمان ونقصانه روايتان، قال في إحداهما: إن الإيمان يزيد أما النقصان فتوقف فيه وطلب من السائل أن يكف عن السؤال عنه، لأنه لم يجد عليه دليلا من كتاب الله.

أما الرواية الأخرى: فقد جاءت عنه من طرق متعددة صحيحة، قال فيها: إن الإيمان يزيد وينقص، كقول أهل السنة والجماعة سواء.

ولهذا خصصت هذا الفصل لدراسة الرواية الواردة عنه رحمه الله في أن الإيمان يزيد مع التوقف في النقصان، وذكر ما قاله أهل العلم من تعليلات لقوله هذا، وبيان الصواب منها، مع ذكر الروايات الأخرى الثابتة عنه في أن الإيمان يزيد وينقص.

ولنبدأ أولاً بالرواية الأولى التي فيها قوله أن الإيمان يزيد وتوقف في النقصان، فهذه الرواية جاءت عنه من ثلاث طرق:

الأولى- من طريق عبدالله بن وهب:

قال: سئل مالك بن أنس عن الإيمان؟ فقال: قول وعمل، قلت أيزيد وينقص؟ قال: قد ذكر الله سبحانه في غير آي من القرآن أن الإيمان يزيد، فقلت له: أينقص؟ قال: دع الكلام في نقصانه وكف عنه. فقلت بعضه أفضل من بعض؟ قال: نعم (١).

الثانية – من طريق ابن القاسم:

قال ابن عبدالبر: (وقد روى ابن القاسم عن مالك أن الإيمان يزيد، ووقف في نقصانه) (٢).

ونقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية (٣).

وقال القاضي عياض: (قال ابن القاسم: كان مالك يقول: الإيمان يزيد، وتوقف عن النقصان، وقال: ذكر الله زيادته في غير موضع فدع الكلام في نقصانه وكف عنه) (٤).

ونقله عنه الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (٥).

الثالثة – من طريق إسماعيل بن أبي أويس:

قال: سئل مالك عن الإيمان يزيد وينقص؟ فقال: يزيد (وينقص) وذلك في كتاب الله، فقيل له: وينقص يا أبا عبدالله؟ قال: ولا أريد أن أبلغ هذا (٦).

فهذا ما وقفت عليه مما نقل عنه رحمه الله في أن الإيمان يزيد مع التوقف في النقصان، ولم أقف فيما اطلعت عليه من روايات عن الإمام أنه جزم بعدم نقص الإيمان، وإنما الذي ورد عنه في بعض الروايات التوقف في القول بنقص الإيمان، وفرّق بين الجزم بنفي الشيء، وبين التوقف فيه. وبهذا يتبين خطأ قول الزبيدي عندما أورد قول مالك هذا (أي: توقفه في النقصان) ثم أورد بعده ما روي عن أبي حنيفة من طريق غسان وجماعة من أصحابه أنه قال: (الإيمان يزيد ولا ينقص). ثم قال الزبيدي: (وهو بعينه قول مالك) (٧).

فهذا خطأ بيِّن إذ أن مالكاً رحمه الله إنما جاء عنه التوقف بالنقصان لا الجزم بعدمه، والفرق بين الأمرين ظاهر.

فهو رحمه الله كان متوقفا في القول بنقص الإيمان لعدم بلوغ النص إليه، ثم لما بلغه ذلك جزم بنقص الإيمان، كما هو ثابت عنه من طرق متعددة.

أما توقفه في النقصان في هذه الرواية فقد ذكر له أهل بعض التعليلات:

١ - فقيل إنه توقف في بعض الروايات عن القول بالنقصان، لأن التصديق بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لا ينقص؟ إذ لا يجوز نقصان التصديق، لأنه إذا نقص صار شكا وخرج عن اسم الإيمان، قاله ابن بطال (٨).


(١) رواه ابن عبدالبر في ((الانتقاء)) (ص: ٣٣).
(٢) ((التمهيد)) (٩/ ٢٥٢).
(٣) ((الفتاوى)) (٧/ ٣٣١).
(٤) ((ترتيب المدارك)) (٢/ ٤٣).
(٥) ((السير)) (٨/ ١٠٢).
(٦) رواه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى "القسم المتمم لتابعي أهل المدينة ومن بعدهم")) (ص: ٤٣٨). تحقيق: زياد محمد منصور.
(٧) ((إتحاف السادة المتقين)) (٢/ ٢٥٦).
(٨) ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (١/ ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>