للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - وقال بعض أهل العلم: إنما توقف مالك عن القول بنقصان الإيمان خشية أن يتأول عليه موافقة الخوارج الذين يكفرون أهل المعاصي من المؤمنين بالذنوب (١).

٣ - وقيل: إنه توقف في ذلك لأنه وجد ذكر الزيادة في القرآن ولم يجد ذكر النقص.

قال شيخ الإسلام: (وكان بعض الفقهاء من أتباع التابعين لم يوافقوا في إطلاق النقصان عليه. لأنهم وجدوا ذكر الزيادة في القرآن، ولم يجدوا ذكر النقص، وهذه إحدى الروايتين عن مالك) (٢).

فهذا جملة ما وقفت عليه من تعليلات لهذه الرواية، والذي أراه صوابا من هذه التعليلات الثالث منها، وهو أنه توقف عن القول بالنقص لعدم وقوفه على النص، لأمور:

أولاً: إن هذا هو اللائق به رحمه الله والأنسب لمقامه، فما وجده في الكتاب والسنة قال به، وما لم يجده لم يقل به، وهذا هو شأن العلماء المحققين من أهل السنة والجماعة لا يصدرون في أقوالهم وأعمالهم إلا عن كتاب أو سنة، وكثيرا ما كان يتمثل رحمه الله بقول الشاعر:

وخير أمور الدين ما كان سنة ... وشر الأمور المحدثات البدائع (٣)

ثانياً: أن هذا هو منصوصه رحمه الله، فقد نص في جميع الروايات المتقدمة أنه إنما قال بالزيادة لوجودها في القرآن، ولما لم يجد للنقص ذكرا توقف عنه. ففي رواية ابن وهب قال: (قد ذكر الله سبحانه في غير آي من القرآن أن الإيمان يزيد).

وفي رواية ابن القاسم قال: (قد ذكر الله زيادته في غير موضع، فدع الكلام في نقصانه وكفّ عنه).

وفي رواية ابن أبي أويس قال: (وذلك في كتاب الله).

فظاهر من هذه الروايات أنه إنما قال بالزيادة لورود النص فيها، أما النقص فتوقف عن القول به لعدم وقوفه على النبي صلى الله عليه وسلم فيه.

ثالثاً: يؤكد ذلك أنه ورد عنه روايات متعددة صحيحة ... فيها القول بزيادة الإيمان ونقصانه، فلعل هذا بعد أن تبين له النص في النقص كحديث: ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين)) (٤) أو وقف على بعض الآثار الكثيرة عن الصحابة والتابعين، والتي فيها التصريح بالزيادة والنقصان، أو غير ذلك، فصار يقول به لوقوفه على النص فيه.

رابعاً: أن هذا ما رآه شيخ الإسلام ابن تيمية ذو الفهم الثاقب، والاطلاع الواسع والعناية الفائقة بأقوال السلف، فهو من أعلم الناس بأقوالهم وأفهمهم لها، وإن النفس لتطمئن كثيراً وغالباً لما يختاره ويراه لدقة فهمه وشدة تحريه، وقد تقدم من قوله رحمه الله تعليل رواية مالك هذه بأنه توقف لأنه لم يجد التنصيص على النقصان في القرآن.

أما التعليل الأول والثاني فـ ... غير سديدين.

أما الأول: وهو أنه توقف في النقص لأن التصديق لا ينقص فغير صحيح بل باطل، لأن التصديق يعتريه النقص كما تعتريه الزيادة ...

فقول: أن نقصان التصديق شك ليس من قول أهل السنة والجماعة في شيء، فغير لائق أن يتأول قول مالك رحمه الله على هذا القول الباطل، ويترك السبب الذي جاء عنه هو في تعليل تركه للقول بنقصان الإيمان.

أما الثاني: وهو أنه توقف حتى لا يفهم منه موافقة الخوارج الذين يكفرون أهل المعاصي من المؤمنين بالذنوب، فبعيد جدا.

لأن القول بنقص الإيمان لا يفهم منه ألبتة كفر من نقص إيمانه إلا على مذهب الخوارج وغيرهم من القائلين بأن الإيمان كل واحد لا يتجزأ إذا ذهب بعضه ذهب كله، وهو قول باطل بلا ريب ترده نصوص الكتاب والسنة.


(١) ((شرح صحيح مسلم للنووي)) (١/ ١٤٦) وانظر: ((الجامع)) لابن أبي زيد القيرواني (ص: ١٢٢).
(٢) ((الفتاوى)) (٧/ ٥٠٦).
(٣) ((الانتقاء)) لابن عبدالبر (ص: ٣٧).
(٤) رواه البخاري (٢٩٨)، ومسلم (٢٥٢). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>