للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الخامس: الدعاء والاستغفار لهم]

من حق الصحابة الكرام رضي الله عنهم على كل من جاء بعدهم من عباد الله المؤمنين أن يدعو لهم ويستغفر لهم، ويترحم عليهم، لما لهم من القدر العظيم، ولما حازوه من المناقب الحميدة، والسوابق القديمة، والمحاسن المشهورة، ولما لهم من الفضل الكبير على كل من أتى بعدهم، فهم الذين نقلوا إلى من بعدهم الدين الحنيف الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، ففضلهم مستمر على كل مسلم جاء بعدهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقد ندب الله – جل وعلا – كل من جاء بعدهم من أهل الإيمان إلى أن يدعو لهم، ويترحم عليهم، وأثنى على من استجاب منهم لذلك بقوله – جل وعلا -: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر: ١٠]

فالآية مشتملة على بيان موقف أهل الإيمان ممن تقدمهم من الصحابة، فقد بين –تعالى- أن موقفهم من أولئك الصفوة أنهم يثنون عليهم، ويدعون لهم ابتهاجاً بما آتاهم الله من الفضل وغبطة لهم فيما وفقوا له من الأعمال المصحوبة بالإخلاص واليقين، وهذا الموقف المبارك ينطبق على أهل السنة والجماعة، فقد وفقهم الله للثناء الجميل والقول الحسن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الذين يترضون عنهم جميعاً ويستغفرون لهم، وحرم هذا الموقف العظيم الشيعة الرافضة الذين جعلوا رأس مالهم سبهم وبغضهم والحقد عليهم، وهذا خذلان أيما خذلان، أعاذنا الله منه.

وقد فهم متقدموا أهل السنة والجماعة ومتأخروهم أن المراد من الآية السابقة الأمر بالدعاء والاستغفار من اللاحق للسابق، ومن الخلف للسلف، الذين هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإليك طائفة من أقوالهم التي دلت على عمق معرفتهم بما دل عليه كتاب ربهم جل وعلا:

(١) روى الإمام مسلم بإسناده إلى هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت لي عائشة: (يا ابن أختي أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم) (١).

(٢) وعند ابن أبي شيبة بلفظ: (أمروا بالاستغفار لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فسبوهم) (٢).

(٣) وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم) (٣)، (قال القاضي: الظاهر أنها قالت هذا عندما سمعت أهل مصر يقولون في عثمان ما قالوا: وأهل الشام في علي ما قالوا، والحرورية في الجميع ما قالوا: وأما الأمر بالاستغفار الذي أشارت إليه فهو قوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ [الحشر: ١٠] وبهذا احتج مالك في أنه لا حق في الفيء لمن سب الصحابة رضي الله عنهم لأن الله –تعالى- إنما جعله لمن جاء بعدهم ممن يستغفر الله لهم والله أعلم) (٤).

(٤) وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فإن الله قد أمرنا بالاستغفار لهم وهو يعلم أنهم سيقتتلون) (٥).


(١) رواه مسلم (٣٠٢٢).
(٢) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (١٢/ ١٧٩)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (١٠٣٣)، قال الألباني في تخريجه: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(٣) رواه ابن أبي حاتم (١٠/ ٣٣٤٧) (١٨٨٥٧). وانظر: ((الدر المنثور)) (٨/ ١١٣).
(٤) ((شرح النووي على صحيح مسلم)) (١٨/ ١٥٨ - ١٥٩).
(٥) ((الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة)) لابن بطة (ص: ١١٩)، وأورده القرطبي في تفسيره (١٨/ ٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>