للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٢٠) وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى حاكياً على وجوب المنع من الطعن على واحد من الصحابة بسبب ما حصل بينهم ولو عرف المحق منهم حيث قال: (واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك ولو عرف المحق منهم لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد بل ثبت أنه يؤجر أجراً واحداً، وأن المصيب يؤجر أجرين) (١).

فهذه طائفة من كلام أكابر علماء أهل السنة والجماعة تبين منها الموقف الواجب على المسلم أن يقف من الآثار المشتملة على نيل أحد من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين بسبب ما وقع بينهم من شجار وخلاف ومقاتلة خاصة في حرب الجمل بين الخليفة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومن معه وبين أم المؤمنين عائشة وطلحة والزبير ومن معهم. وأيضاً في حرب صفين بين علي ومعاوية وهو صيانة القلم واللسان عن ذكر ما لا يليق بهم وإحسان الظن بهم والترضي عنهم أجمعين، ومعرفة حقهم ومنزلتهم والتماس أحسن المخارج لما ثبت صدوره من بعضهم واعتقاد أنهم مجتهدون والمجتهد مغفور له خطؤه إن أخطأ، وأن الأخبار المروية في ذلك منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه أو نقص منه حتى تحرف عن أصله وتشوه، كما تبين من هذه النقول المتقدم ذكرها أن عقيدة الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة فيما شجر بينهم هو الإمساك، ومعنى الإمساك عما شجر بينهم وهو عدم الخوض فيما وقع بينهم من الحروب والخلافات على سبيل التوسع وتتبع التفصيلات ونشر ذلك بين العامة أو التعرض لهم بالتنقص لفئة والانتصار لأخرى وقد تقدم معنىً قريباً من قول الذهبي رحمه الله تعالى بأن كثيراً مما حدث بين الصحابة من شجار وخلاف ينبغي طيه وإخفاؤه بل إعدامه وأن كتمان ذلك متعين على العامة بل آحاد العلماء لأنه لا مصلحة شرعية ولا علمية من وراء نشر ذلك، أما من ناحية النظر العلمي المستقيم المهتدي بنصوص الشريعة فإن البحث في هذا الموضوع لا يمتنع إذا قصد به تبين أحكام الشريعة وما كان ذكر العلماء المعتبرين للحروب والخلافات التي وقعت بين الصحابة رضي الله عنهم إلا على هذا السبيل، أو لبيان المواقف الصحيحة، وتصحيح الأغاليط التاريخية التي أثيرت حول مواقفهم في تلك الحروب رضي الله عنهم فعلى المسلم أن يعتقد فيما صح مما جرى بين الصحابة من خلاف أنهم فيه مجتهدون، إما مصيبون فلهم أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وإما مخطئون فلهم أجر الاجتهاد، وخطؤهم مغفور وهم ليسوا معصومين بل هم بشر يصيبون ويخطئون ولكن ما أكثر صوابهم بالنسبة لصواب غيرهم، وما أقل خطأهم إذا نسب إلى خطأ غيرهم، وقد وعدوا من الله بالمغفرة والرضوان، كما أنه يجب على كل مسلم أن يكون لسانه رطباً بالذكر الحسن والثناء الجميل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحاول جهده في ذكر محاسنهم العظيمة وسيرتهم الحميدة ويتجنب ذكر ما شجر بينهم، هذه طريقة الصدر الأول من هذه الأمة والتي اتخذها أهل السنة والجماعة منهاجاً في موقفهم نحو الصحابة رضي الله عنهم جميعاً.

قال العوام بن حوشب: (أدركت من أدركت من صدر هذه الأمة بعضهم يقول لبعض: اذكروا محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتأتلف عليها القلوب ولا تذكروا ما شجر بينهم فتحرشوا الناس عليهم) (٢).

وبعبارة أخرى أنه قال: (أدركت صدر هذه الأمة يقولون: اذكروا محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تألف عليهم القلوب ولا تذكروا ما شجر بينهم فتجسروا الناس عليهم) (٣).

فأهل السنة مجمعون على وجوب السكوت عن الخوض في الفتن التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم بعد قتل عثمان رضي الله عنه والترحم عليهم وحفظ فضائل الصحابة والاعتراف لهم بسوابقهم ونشر محاسنهم رضي الله عنهم وأرضاهم. عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم – ناصر بن علي عائض – ٢/ ٧٠٠


(١) ((فتح الباري)) (١٣/ ٣٤).
(٢) ((الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة)) لابن بطة (ص: ١٦٥).
(٣) ذكره القرطبي في ((الجامع لأحكام القرآن)) (١٨/ ٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>