للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: نفي النقائص عن الله عز وجل]

توحيد الله عز وجل الذي دلت عليه النصوص ينقسم إلى توحيد قولي، وتوحيد عملي، فالتوحيد القولي هو ما كان خبرا عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهذا الخبر إما أن يكون بنفي أو إثبات (١).

فالنفي هو تنزيه الله عز وجل عن كل نقص أو عيب من كل وجه، وهو ما دلت عليه نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، وهو ما فطر الله عليه جميع الخلق من إثبات كمال الله عز وجل نفي النفص عنه، وهو مما يعلم بالعقل أيضاً (٢).

وقد ضرب الله عز وجل الأمثال وأقام الحجج والبراهين على المشركين بإظهار بطلان ألوهية الأصنام التي يعبدونها لما تتصف به من النقائص والعيوب التي يجب أن يتنزه عنها الرب المعبود (٣)، فقال تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ [النحل: ٧٥]، فبين أن كونه مملوكاً عاجزاً صفة نقص وهذا مثل للآلهة التي تعبد من دون الله، وإن القدرة والملك والإحسان صفة كمال، وهذا مثل لله عز وجل، فهذا ليس مثل هذا.

وقال تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [النحل: ٧٦]، فالأول مثل العاجز عن الكلام والفعل الذي لا يقدر على شيء، كآلهتهم التي يعبدون، والآخر مثل المتكلم الآمر بالعدل الذي هو على صراط مستقيم، فلا يستوي هذا والعاجز عن الكلام والفعل (٤).

وقال تعالى: إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا [مريم: ٤٢]، أي: (لم تعبد أصناماً ناقصة في ذاتها وفي أفعالها، فلا تسمع، ولا تبصر، ولا تملك لعبادها نفعاً ولا ضراً، بل لا تملك لأنفسها شيئاً من النفع، ولا تقدر على شيء من الدفع، فهذا برهان جلي دال على أن عبادة الناقص في ذاته وأفعاله مستقبح عقلاً وشرعاً، ودل تنبيهه وإشارته، أن الذي يجب ويحسن عبادة من له الكمال الذي لا ينال العباد نعمة إلا منه، ولا يدفع عنهم نقمة إلا هو، وهو الله تعالى) (٥).

وقال تعالى: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ [الأعراف: ١٤٨]، (فدل ذلك على أن عدم التكلم والهداية نقص، وإن الذي يتكلم ويهدي أكمل ممن لا يتكلم ولا يهدي) (٦)، فهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، إلى أمثال ذلك من الآيات.

(ومثل هذا في القرآن متعدد من وصف الأصنام بسلب صفات الكمال، كعدم التكلم, والفعل, وعدم الحياة ونحو ذلك، مما يبين أن المتصف بذلك منتقص معيب كسائر الجمادات، وأن هذه الصفات لا تسلب إلا عن ناقص معيب.

وأما رب الخلق الذي هو أكمل من كل موجود، فهو أحق الموجودات بصفات الكمال، وأنه لا يستوي المتصف بصفات الكمال والذي لا يتصف بها، وهو يذكر أن الجمادات في العادة لا تقبل الاتصاف بهذه الصفات) (٧).

وهذا ما دلت عليه النصوص الصريحة, والعقول الصحيحة، وما استقر في الفطر من أن الرب الخالق المستحق للعبادة وحده، يجب أن يتصف بكل كمال على أتم وجوهه، وأن يتنزه عن كل نقص وعيب يمكن أن يتصوره العقل (٨). النفي في باب صفات الله عز وجل لأرزقي بن محمد سعيداني – ص ١٠٨


(١) ((مدارج السالكين)) (١/ ٣٣) ((الصواعق المرسلة)) (٢/ ٤٠٢)، ((شرح القصيدة النونية)) (٢/ ٥٦ - ٦٠).
(٢) ((تفصيل الإجمال فيما يجب لله من صفات الكمال، ضمن مجموعة الرسائل والمسائل)) (٥/ ١٩٥) ((الصواعق المرسلة)) (١/ ٢٩٣، ٣/ ٩١٤، ١٠١٠، ١٠١٨).
(٣) ((مدارج السالكين)) (١/ ٣٤).
(٤) ((تفصيل الإجمال فيما يجب لله من صفات الكمال، ضمن مجموعة الرسائل والمسائل)) (٥/ ٢٠٢) ((الصواعق المرسلة)) (١/ ٢٩٣، ٣/ ٩١٤، ١٠١٠، ١٠١٨)، ((النبوات)) (٢/ ٨٩٠)، ((القواعد المثلى)) (ص: ٢٣).
(٥) ((تيسير الكريم الرحمن)) (٤٤٣).
(٦) ((تفصيل الإجمال فيما يجب لله من صفات الكمال، ضمن مجموعة الرسائل والمسائل)) (٥/ ٢٠٣).
(٧) ((تفصيل الإجمال فيما يجب لله من صفات الكمال، ضمن مجموعة الرسائل والمسائل)) (٥/ ٢٠٣) و ((مجموع الفتاوى)) (٥/ ٢٢٣) و ((منهاج السنة النبوية)) (٢/ ١٦٠).
(٨) ((مجموع الفتاوى)) (٥/ ٣٦٣)، ((الصفدية)) (٢/ ٢٧)، ((منهاج السنة النبوية)) (٣/ ٩٧)، ((شرح العقيدة الأصفهانية)) (١١٩) و ((شفاء العليل)) (٢/ ٣٣٣، ٣٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>