للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثانيا: الآثار الإيمانية لصفة المعية]

إذا عرف العبد أن الله معه؛ فلا شك أنه يراقب الله، يعرف أن الله مطلع عليه، وأنه لا تخفى عليه منه خافية. فإذا آمن بأن الله معه، أي عالم به ومطلع عليه ورقيب على أعماله؛ (فإن ذلك يحمله على مراقبة الله، وعلى خوفه، وعدم الخروج عن طاعته، وعدم ارتكاب شيء من معاصيه. تقول له نفسه وقلبه: كيف تتجرأ على مخالفته وهو مراقب لك ولأعمالك؟ ويحمله هذا على إصلاح الأعمال وعدم إفسادها، وعلى الإكثار من الحسنات والبعد عن السيئات، هذه فائدة الإيمان بالمعية) (١) العامة.

عن عبد الله بن معاوية الغاضري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان: من عبد الله وحده فإنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه ... وزكى عبد نفسه)) فقال رجل: وما تزكية المرء نفسه يا رسول الله؟ قال: ((يعلم أن الله معه حيث ما كان)) (٢).

فحصلت التزكية بالإيمان بهذه المعية، وأي تزكية أعظم منها!

وأما المعية الخاصة، فإن الإنسان إذا عرف أن هذا العمل يحظى أهله بمعية الله، حرص على أن يكون من أهله، فيحرص على أن يكون من أهل التقوى والإحسان والصبر والإيمان، ويكثر من الذكر والدعاء. (وأي فضيلة تداني فضيلة من كان الله معه! وأي مزية توازي مزية من هو من أهل هذه الطبقة الشريفة، والمنزلة السامية؟!) (٣).

فمتى حظي العبد بمعية الله (هانت عليه المشاق، وانقلبت المخاوف في حقه أماناً، فبالله يهون كل صعب، ويسهل كل عسير، ويقرب كل بعيد، وبالله تزول الهموم والغموم والأحزان؛ فلا هم مع الله، ولا غم ولا حزن) (٤). وإنما الحزن كل الحزن لمن فاته الله، فمن حصل الله له فعلى أي شيء يحزن؟ ومن فاته الله فبأي شيء يفرح (٥). وإذا كان الله معك، فمن تخاف؟ وإذا كان عليك، فمن ترجو؟ (٦)

واعلم بأن معية الله (من أعظم نعمة أنعم الله بها على عبده، ولكن لهذه النعمة أقوال وأعمال، هما السبب الذي تنال به، والله سبحانه سميع لتلك الأقوال، عليم بتلك الأفعال، وهو عليم بمن يصلح لهذه النعمة، ويشكرها، ويعرف قدرها، ويحب المنعم عليه، فتصلح عنده هذه النعمة، ويصلح بها كما قال تعالى: وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَؤُلاء مَنَّ اللهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ [الأنعام: ٥٣]، فإذا فاتت العبد نعمة من نعم ربه، فليقرأ على نفسه: أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٧).

لمثل هذا فليعمل العاملون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون (٨). الأسماء الحسنى والصفات العلى لعبد الهادي بن حسن وهبي– ص: ٨٤


(١) ((التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية)) (١/ ٢٤٢).
(٢) رواه أبو داود (١٥٨٢) مختصرا والبيهقي (٤/ ٩٦) والطبراني في المعجم الصغير (٥٥٥) قال الألباني في ((صحيح أبي داود)) (١٥٨٠): صحيح.
(٣) ((الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني)) (٣/ ١٣٦٠).
(٤) ((الداء والدواء)) (ص: ٢٨٨).
(٥) ((طريق الهجرتين)) (ص: ٢٨٠).
(٦) ((الدرر السنية)) (٢/ ١٦٨).
(٧) ((زاد المعاد)) (٣/ ١٧).
(٨) ((طريق الهجرتين)) (ص: ٥٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>