[المبحث الثالث: أسماء الجنة]
قال في (حادي الأرواح): لها عدة أسماء باعتبار صفاتها، ومسماها واحد باعتبار الذات، فهي مترادفة من هذا الوجه، وهكذا أسماء الرب تعالى، وأسماء كتابه، وأسماء رسوله، وأسماء اليوم الآخر، وأسماء النار.
الاسم الأول: الجنة، وهو العام المتناول لتلك الدار جملة، وما اشتملت عليه في أنواع النعيم، وأصل اشتقاقه من الستر والتغطية، ومنه الجنين لاستتاره في البطن, والجان لاستتاره عن عيون الإنس، والمجن، السترة ووقاية الوجه، والمجنون لاستتار عقله، وتواره عنه. والجان وهي الحية الصغيرة الدقيقة، ومنه سمي البستان جنة؛ لأنه يستر ما داخله من الأشجار، ولا يطلق هذا الاسم إلا على موضع كثير الشجر مختلف الأنواع، والجنة بالضم ما يستجن أي: يوقى به من نحو ترس، وبالكسر الجن كما في قوله تعالى مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [الناس: ٦].
الثاني: دار السلام وقد سماه الله بهذا الاسم في قوله تعالى: لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ [الأنعام: ١٢٧] وقوله: وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ [يونس: ٢٥]، وهي جديرة بهذا الاسم؛ لسلامتها من كل بلية وآفة، فإن الله هو السلام، وهي داره، فمن أسمائه الحسنى السلام. فالله سبحانه سلم هذه الدار، وسلم أهلها من كل نكبة وداهية، وتحيتهم فيها سلام، والرب تعالى سلم عليهم من فوقهم، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم، وكلامهم كله فيها سلام، ولا يسمعون فيها لغوا إلا سلاماً.
وأما قوله تعالى: وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ [الواقعة: ٩٠ - ٩١] فحقق في (حادي الأرواح) أن المعنى: سلام لك أيها الراحل في الدنيا, سلموا من الدنيا وأنكادها, والنار وعذابها, فبشر بالسلامة عند ارتحاله من الدنيا وقدومه على الله تعالى، كما يبشر الملك روحه عند أخذها بقوله: ((أبشري بروح وريحان, ورب غير غضبان)) (١). وهذا أول البشرى التي للمؤمنين في الآخرة.
الثالث: دار الخلد، وسميت بذلك لأن أهلها لا يظعنون عنها، واشتقاقه من الخلد وهو دوام البقاء. تقول: خلد الرجل يخلد خلوداً وأخلده الله سبحانه وتعالى إخلاداً. وخلده تخليداً أبقاه. وأخلدت إلى فلان: ركنت إليه.
وأخلد بالمكان أقام به، وأما الخلد بالتحريك: فالبال.
يقال: سنح في خلدي أي: خطر في روعي وبالي وقلبي، والخلد أيضاً: ضرب من الجرادين أعمى. والله أعلم.
الرابع: دار المقامة: قال تعالى حكاية عن أهلها: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ [فاطر: ٣٤ - ٣٥] قال مقاتل: أنزلنا دار الخلود أقاموا فيها أبداً لا يموتون ولا يتحولون. قال أهل اللغة: المقامة والإقامة بمعنى.
الخامس: جنة المأوى، وهو مفعل من آوى يأوي أي انضم إلى المكان. قال تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات: ٤٠ - ٤١] وقال في النار: فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات: ٣٩] وقال تعالى: عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى [النجم: ١٤ - ١٥].
(١) رواه ابن ماجه (٣٤٥٦)، وأحمد (٢/ ٣٦٤) (٨٧٥٤). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال ابن جرير في ((مسند عمر)) (٢/ ٥٠٣): إسناده صحيح، وقال البوصيري في ((زوائد ابن ماجه)) (٢/ ٣٣٣): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وقال ابن الملقن في ((شرح صحيح البخاري)) (٢٩/ ٦٠٤): إسناده جيد.