للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الثالث: الإقسام على الله جل وعلا بالمتوسل به]

الأصل في القسم أو الحلف، أن يكون بالله تعالى، لأنه عبادة، ومعلوم أن العبادة لا يجوز أن تصرف إلا لله عز وجل، ولذا فإنه لا يجوز القسم أو الحلف بغيره سبحانه. وقد ثبت في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)) (١) وفي لفظ: ((من حلف بغير الله فقد أشرك)) رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححوه (٢). فإذا فهم هذا ... فيتعين أنه لا يجوز الحلف بمخلوق على مخلوق، فكيف يجوز الحلف بالمخلوق على الخالق .. !؟ كأن يقول مثلاً: اللهم إني أقسمت عليك بفلان أو أسألك بحق فلان أن تقضي حاجتي ...

قد يتأثر المخلوق إذا أقسمت عليه بعظيم أو مكرم لديه ... فيتحول عن عزمه الذي كان عازماً على فعله ... إلى مرادك الذي أقسمت عليه بأن يلتزم به ... أما الله سبحانه، فلا أحد يستطيع أن يحول مراده أو يؤثر عليه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً: وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ [المؤمنون: ٨٨]. أي هو السيد العظيم الذي لا أعظم منه أحد الذي له الخلق والأمر، ولا معقب لحكمه، الذي لا يمانع ولا يخالف، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. فمن كان هذا شأنه، كيف تقسم عليه بمخلوق؟ ألا إن شأن الله أعظم من ذلك، وإن الله تعالى جده وتقدست أسماؤه، وجلت صفاته، هو الذي يقسم به على مخلوقاته، لا أن يقسم عليه بمخلوقاته.

ألا ترى معي يا أخي المسلم، أن الإقسام على الله بمخلوقاته ليس شركاً فحسب .. بل هو تقرب إلى الله بالشرك به ... !!! والمفروض بالتقرب ... أن يكون بشيء يرضي المتقرب منه ... ولا يفكر عاقل بأن يتقرب إلى أحد بما يكره. وإن هؤلاء الذين يقسمون على الله بمخلوقاته يتقربون إلى ربهم بذلك .. والله سبحانه لا يرضيه أن يشرك به عباده ... فضلاً عن أن يتقربوا إليه بهذا الشرك وما أدري إذا كان هؤلاء يدرون ما يفعلون أو لا يدرون ... !!!؟

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

ثم نسأل: إذا كان الحلف عبادة ... هل المحلوف به أعظم، أم المحلوف عليه أعظم ... ؟ سيقولون بل المحلوف به أعظم ... فإذا كان المحلوف به أعظم فعندما نحلف على الله بأحد خلقه ... من يكون هنا المحلوف عليه ... ؟!!! سيقولون: المحلوف به هو المخلوق والمحلوف عليه هو الله الخالق. فنقول: أرأيتم كيف جعلتم المخلوق أعظم عندكم من الخالق ... ؟!!! نعوذ بالله من الشرك والكفر وسوء المنقلب في الدنيا والآخرة.


(١) رواه البخاري (٦٦٤٦).
(٢) رواه أبو داود (٣٢٥١) والترمذي (١٥٣٥) وأحمد (٢/ ١٢٥) (٦٠٧٣) وابن حبان (١٠/ ١٩٩) والحاكم (٤/ ٣٣٠) من حديث عبد الله بن عمر, والحديث سكت عنه أبو داود, وقال الترمذي هذا حديث حسن, وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي, وصححه ابن الملقن في ((البدر المنير)) (٩/ ٤٥٩) وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)): إسناده صحيح, وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).

<<  <  ج: ص:  >  >>