للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرأيت يا أخي المسلم كيف يستولي الشيطان على هؤلاء فيريهم الحق باطلاً والباطل حقاً ... ؟ أرأيت يا أخي إلى أية هاوية يريد الشيطان أن يرديهم فيها.؟ ترى هل شعروا بهمز الشيطان ونفخة ونفثه يسري في كيانهم كما يسري السم في الجسد ... ؟ وهل سيظلون هكذا طائعين منقادين كالأنعام إلى جهنم وبئس المصير ... أسيظلون هكذا ... أم يفلتون من حبال عدوهم ويهربون إلى ربهم تائبين منيبين إليه، يذرفون دموع الندم ويرجون من الله رحمة ومغفرة ... والله إن فعلوا ... لوجدوا الله تواباً رحيماً. فبادروا يا رعاكم الله إلى كنف التواب الرحيم، تلقوا عفوه وكرمه ورضوانه رغم ما أسلفتم من الذنوب والآثام قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزُّمر: ٥٣]. وإن الكريم سبحانه لا يغفر ذنوبكم فحسب بل يبدلها حسنات، وهذا جزاء التائبين المستغفرين المؤمنين العاملين. اسمعوا قوله تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان: ٧٠]. وقد أنحى العلماء باللائمة على من يقسم بالمخلوق، وأقاموا النكير عليه, وحذروا منه أشد التحذير، لما فيه من المساس بالألوهية والعياذ بالله تعالى.

قال شارح العقيدة الطحاوية:

(وإن الإقسام على الله بحق فلان، فذلك محذور، لأن الإقسام بالمخلوق لا يجوز فكيف على الخالق؟! وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بغير الله فقد أشرك)) (١) ولهذا قال أبو حنيفة وصاحباه رضي الله عنهم: يكره أن يقول الداعي: أسألك بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت الحرام، والمشعر الحرام، ونحو ذلك. حتى كره أبو حنيفة ومحمد رضي الله عنهما، أن يقول الرجل: اللهم إني أسألك بمعقد العز من عرشك ولم يكرهه أبو يوسف رحمه الله لما بلغه الأثر فيه (٢) , كما أن القول بجاه فلان عندك, أو نتوسل إليك بأنبيائك ورسلك وأوليائك. ومراده أن فلاناً عندك ذو وجاهة وشرف ومنزلة فأجب دعاءنا. وهذا أيضاً محذور فإنه لو كان هذا، هو التوسل الذي كان الصحابة يفعلونه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لفعلوه بعد موته. وإنما كانوا يتوسلون في حياته بدعائه، يطلبون منه أن يدعو لهم، وهم يؤمنون على دعائه، كما في الاستسقاء وغيره. فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر رضي الله عنه – لما خرجوا يستسقون -: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا. معناه: بدعائه الله لنا، وشفاعته عنده، وليس المراد أنا نقسم عليك به, أو نسألك بجاهه عندك, إذ لو كان ذلك مراداً، لكان جاه النبي صلى الله عليه وسلم أعظم وأعظم من جاه العباس). اهـ

ويروى ... أن داود عليه السلام قال: ((اللهم إني أسألك بحق آبائي عليك, فأوحى إليه: وما حق آبائك علي؟)) (٣).

وقال أبو الحسن القدوري في شرح كتاب الكرخي:


(١) رواه أبو داود (٣٢٥١)، والترمذي (١٥٣٥) واللفظ له، وأحمد (٢/ ١٢٥) (٦٠٧٢). من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: حديث حسن. وصحح إسناده عبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (٧٣٥) - كما أشار لذلك في مقدمته -. وأحمد شاكر في ((المسند)) (٨/ ٢٢٢). وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.
(٢) قال الزيلعي في ((نصب الراية)) (٤/ ٢٧٣) هو حديث مرفوع موضوع.
(٣) قيل إنه ضعيف وقد رويناه بصيغة التمريض للدلالة على ضعفه، وذكرناه اسئناسا للمناسبة مع بيان ضعفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>