للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(١٦) وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى عند قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)) (١) (واعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم ليست بداخلة في هذا الوعيد ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم والإمساك عما شجر بينهم وتأويل قتالهم وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا بل اعتقد كل فريق أنه المحق ومخالفه باغ فوجب عليه قتاله ليرجع إلى أمر الله وكان بعضهم مصيباً وبعضهم مخطئاً معذوراً في الخطأ لأنه لاجتهاد والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه وكان علي رضي الله عنه هو المحق المصيب في تلك الحروب هذا مذهب أهل السنة وكانت القضايا مشتبهة حتى إن جماعة من الصحابة تحيروا فيها فاعتزلوا الطائفتين ولم يقاتلوا ولم يتيقنوا الصواب، ثم تأخروا عن مساعدته منهم) اهـ (٢).

وقال في موضع آخر مبيناً سبب الحروب التي وقعت بين الصحابة: (واعلم أن سبب تلك الحروب أن القضايا كانت مشتبهة، فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام:

قسم: ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في هذا الطرف، وأن مخالفه باغ، فوجب عليهم نصرته وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه ففعلوا ذلك ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة إمام العدل في قتال البغاة في اعتقاده.

وقسم: عكس هؤلاء ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في الطرف الآخر فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه.

وقسم ثالث: اشتبهت عليهم القضية وتحيروا فيها ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين فاعتزلوا الفريقين وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك) (٣) وهذا هو التفسير الصحيح لمواقف الصحابة رضي الله عنهم في تلك الحروب وهو اللائق بحالهم رضي الله عنهم.

(١٧) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في صدد عرضه لعقيدة أهل السنة والجماعة فيما شجر بين الصحابة: (ويمسكون عما شجر بين الصحابة ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه والصحيح منه هم فيه معذورون إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون) (٤) اهـ.

(١٨) وقال الإمام الذهبي: ( ... تقرر الكف عن كثير مما شجر بين الصحابة وقتالهم رضي الله عنهم أجمعين وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف، وبعضه كذب وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا فينبغي طيه وإخفاؤه، بل إعدامه لتصفوا القلوب، وتتوفر على حب الصحابة والترضي عنهم، وكتمان ذلك متعين عن العامة وآحاد العلماء وقد يرخص في مطالعة ذلك خلوة للعالم المنصف العري من الهوى، بشرط أن يستغفر لهم كما علمنا الله تعالى حيث يقول: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا [الحشر: ١٠] فالقوم لهم سوابق وأعمال مكفرة لما وقع منهم وجهاد محاء وعبادة ممحصة) (٥).

(١٩) وقال الحافظ ابن كثير: (أما ما شجر بينهم بعده عليه الصلاة والسلام فمنه ما وقع عن غير قصد كيوم الجمل ومنه ما كان عن اجتهاد كيوم صفين والاجتهاد يخطئ ويصيب ولكن صاحبه معذور وإن أخطأ ومأجور أيضاً: وأما المصيب فله أجران اثنان) (٦).


(١) رواه البخاري (٣١)، ومسلم (٢٨٨٨). من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
(٢) ((شرح النووي)) (١٨/ ١١).
(٣) ((شرح النووي)) (١٨/ ١١).
(٤) ((العقيدة الواسطية مع شرحها)) لمحمد خليل هراس (ص: ١٧٣).
(٥) ((سير أعلام النبلاء)) (١٠/ ٩٢).
(٦) ((الباعث الحثيث)) (ص: ١٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>