للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخرج كذلك عن غنيم بن قيس قال: (ذكروا ورود النار، فقال كعب: تمسك النار للناس كأنها متن إهالة حتى يستوي عليها أقدام الخلائق، برهم وفاجرهم ثم يناديهم مناد: أن أمسكي أصحابك ودعي أصحابي، قال: فيخسف بكل ولي لها، ولهي أعلم بهم من الرجل بولده، ويخرج المؤمنون ندية أبدانهم، قال: وقال كعب: ما بين منكبي الخازن من خزنتها مسيرة سنة، مع كل واحد منهم عمود له شعبتان، يدفع به الدفعة فيصرع به في النار سبعمائة ألف). (٤)

وأخرج عن أبي إسحاق، قال: (كان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه قال: يا ليت أمي لم تلدني، ثم يبكي فقيل: وما يبكيك يا أبا ميسرة؟ قال: أخبرنا أنا واردوها، ولم يخبرنا أنا صادرون عنها). (٥)

وعن قيس بن أبي حازم قال: (بكى عبد الله بن رواحة في مرضه فبكيت امرأته، فقال: ما يبكيك؟ قالت: رأيتك تبكي فبكيت، قال ابن رواحة: إني قد علمت أني وارد النار فما أدري أناج منها أنا أم لا؟) (٦)

وقال أبو عمرو داود بن الزبرقان: سمعت السدي يذكر عن مرة الهمداني عن أبي مسعود: وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا [مريم: ٧١]، قال: داخلها. (١)

وأخرج الحاكم عن ابن مسعود أنه سئل عن قوله: وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا [مريم: ٧١]، قال: وإن منكم إلا داخلها (٢)

والروايات عن ابن مسعود كثيرة يفسر الورود في النار بالدخول فيها. (٣)

ومما يدل على أن الورود المراد به الدخول: ما جاء عن سهل بن معاذ عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من حرس وراء المسلمين في سبيل الله متطوعا لا يأخذه سلطانه بحرس، لم ير النار بعينه، إلا تحلة القسم، فإن الله تعالى يقول: وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا [مريم: ٧١])) (٤)

وكذا ماجاء عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من مات له ثلاثة لم تمسه النار إلا تحلة القسم)) يعنى الورود. (٥)

هذا ما يتعلق بالرأي الأول وهو تفسير الورود بالدخول في النار، وهل ذلك يشمل الأنبياء والرسل وخاصة المؤمنين أو لا؟ سيأتي جوابه في مسألة خاصة به بعد عرض آراء العلماء في الورود.

٢ - أما الرأي الثاني وهو تفسير الورود بالمرور عليها:

فهو رأي قتادة وغيره من علماء السلف وفي هذا يقول الطبري: حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد عن قتادة:

وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا [مريم: ٧١] يعنى: جهنم، مر الناس عليها. وفي رواية أخرى عن معمر عن قتادة بما سبق. (٦)

وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: أخبرتني أم مبشر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة: ((لا يدخل النار – إن شاء الله – من أصحاب الشجرة أحد من الذين بايعوا تحتها، قالت: بلى يا رسول الله، فانتهرها، فقالت حفصة: وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا [مريم: ٧١] فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد قال الله عز وجل: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مريم: ٧٢])) (١).

قال النووي عن معنى الحديث ((لايدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة. ..... )) إلخ.

قال العلماء: معناه لا يدخلها أحد منهم قطعا – كما صرح به في الحديث الذي قبله – وإنما قال: إن شاء الله؛ للتبرك لا للشك (٢)

وحديث حاطب الذى أشار إليه النووي هو ما رواه جابر رضي الله عنه: ((أن عبدا لحاطب جاء الرسول صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبا فقال يا رسول الله، ليدخلن حاطب النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبت، لا يدخلها؛ فإنه شهد بدرا والحديبية)) (٢)


(١) رواه مسلم (٢٤٩٦).
(٢) رواه مسلم (٢٤٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>