للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن معاوية -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنك اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم)) (١).

فهذا نص صريح من الرسول صلى الله عليه وسلم بأن التجسس وتتبع عورات المسلمين من وسائل إفساد المجتمع وقد ورد في ذلك بعض الآثار التي تبين وقوف الصحابة رضي الله عنهم عند هذا الحد، فلم يقدموا عليه بل إذا ما وقع من أحدهم ذلك لاجتهاد ظنه أنكر عليه ذلك.

من ذلك ما ورد عن عبد الرحمن بن عوف قال: حرست ليلة مع عمر بن الخطاب بالمدينة إذ تبين لنا سراج في بيت بابه مجافى على قوم لهم أصوات مرتفعة ولغط. فقال عمر: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف وهم الآن شرب فما ترى، قلت: أرى أنا قد أتينا ما نهى الله عنه ولا تجسسوا وقد تجسسنا، فانصرف عمر وتركهم (٢).

وقال أبو قلابة:

حدث عمر أن أبا محجن الثقفي يشرب الخمر مع أصحاب له في بيته فانطلق عمر حتى دخل عليه فإذا ليس عنده إلا رجل فقال أبو محجن: إن هذا لا يحل لك. قد نهاك الله عن التجسس فخرج عمر وتركه (٣) (٤).

فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر منهي عن التجسس إلا في حالات نادرة سنتحدث عنها في الفقرة التي تلي هذه، لأن من يفعل ذلك ينتهك عدة حقوق أساسية ثابتة شرعاً لمن تجسس عليه، منها: حقه في حرمته في مسكنه، وحقه في حرية شخصه باطلاعه على سره، هذا من جهة ومن جهة أخرى يكون المتجسس قد استباح وسيلة محرمة للوصول إلى غاية. وسواء أكانت هذه الغاية محرمة أم مباحة، فإن ذلك محظور؛ لأنها إن كانت محرمة فالوسيلة إليها محرمة، وأما إذا كانت الغاية مشروعة فلا يصح أن يسعى إليها بوسيلة محرمة؛ لأن الغاية تأخذ حكم الوسيلة (٥).

وجوب التستر:

إن المسلم مأمور بأن يتستر ولا يظهر معصيته أياً كانت هذه المعصية سواء أكانت مرئية كأن يخرج عند بابه ويضع الفيديو إلى جواره وفيه أفلام خليعة، أو المسموعة كأن يضع بآلة التسجيل شريطاً به غناء غرامي وموسيقى خليعة ماجنة ونحو ذلك، أو المشمومة كأن يظهر رائحة الخمر والمسكر بحيث يشمها من هو خارج المنزل أو قريباً منه ويتكلم معه؛ لأنه إذا فعل ذلك يكون قد أضاع الحق الذي أعطاه الإسلام له، ويكون بذلك عرض نفسه للإهانة والردع.

ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين. وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويكشف ستر الله عنه)) (٦).


(١) رواه أبو داود (٤٨٨٨)، وابن حبان (١٣/ ٧٢) (٥٧٦٠)، والطبراني (١٩/ ٣٧٩) (١٦٥٦٠)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (٦/ ١٢٦)، والبيهقي (٨/ ٣٣٣) (١٨٠٧٨). بلفظ: ((عورات الناس)) بدلاً من ((عورات المسلمين)). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال النووي في ((رياض الصالحين)) (٥٠٨): صحيح، وصحح إسناده ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (١/ ٣٠٠)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
(٢) رواه الطبراني في ((مسند الشاميين)) (٣/ ٦١) (١٨٠٦)، والحاكم (٤/ ٤١٩)، والبيهقي (٨/ ٣٣٣) (١٨٠٨٠). قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي،
(٣) رواه عبد الرزاق في ((المصنف)) (١٠/ ٢٣٢).
(٤) ((الجامع لأحكام القرآن)) القرطبي م١٨ (١٦/ ٣٣٣).
(٥) انظر: ((حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في النظام الإسلامي والنظم المعاصرة)) د. عبد الوهاب الشيشاني (ص: ٣٩٤، ٣٩٥).
(٦) رواه البخاري (٦٠٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>