للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول: أن القولين متفقان على تكفير تارك جنس العمل؛ لأن هذا الأمر مبني على تعريف أهل السنة والجماعة للإيمان وأنه قول وعمل.

الثاني: أنهما يفترقان في تحديد العمل الذي يكفر به تاركه، فأصحاب القول الأول يرون أنه عمل مخصوص، وهو الصلاة؛ وبالتالي فتارك الصلاة عندهم كافر ولو أتى بسائر الأعمال.

وأما أصحاب القول الثاني فلا يكفر عندهم تارك الصلاة ما دام يقوم ببعض الأعمال.

وهذا الأمر - وهو تحديد العمل الذي يكفر به تاركه - مبناه على النصوص الدالة على كفر تارك الصلاة وعدمه، وهو محل خلاف، كما تقدم بيانه.

ومن هنا نقول: إن المحاورة المذكورة إنما نسجت على أحد قولي أهل السنة في ترك الصلاة، وليس على قولهم في ترك العمل الذي هو جزء من الإيمان وركن فيه.

قال شيخ الإسلام - مبيناً ما بين الأمرين من ارتباط -: (فإن الإيمان عند أهل السنة والجماعة: قول وعمل، كما دل عليه الكتاب والسنة وأجمع عليه السلف، وعلى ما هو مقرر في موضعه.

فالقول: تصديق الرسول.

والعمل: تصديق القول، فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمناً.

والقول الذي يصير به مؤمناً قول مخصوص؛ فكذلك العمل هو الصلاة) (١).

فقد بنى – رحمه الله – القول بكفر تارك الصلاة على مقدمات مسلم بها عند أهل السنة، وهي:

١ - أن الإيمان لا بد فيه من قول وعمل.

٢ - أن القول تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم.

٣ - أن القول الذي لا بد منه، هو قول مخصوص.

٤ - أن العمل هو تصديق القول، أي: (إذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمناً).

وهذه المقدمات محل اتفاق بين أهل السنة، ولذا قدمها ليبني عليها القول بكفر تارك الصلاة حيث قال: (والقول الذي يصير به مؤمناً، قول مخصوص، فكذلك العمل هو الصلاة) أي بما أن الإيمان لا بد فيه من عمل، وهو تصديق القول، وقد صار القول عندهم قولاً مخصوصاً وهو كلمة التوحيد، فكذلك ينبغي أن يكون العمل الذي لا بد منه عمل مخصوص، وهو الصلاة.

ففرق - رحمه الله - بين المسألتين إذ جعل الأولى - مسألة تارك العمل - مقدمة مسلماً بها عند أهل السنة، والثانية - مسألة تارك الصلاة - محل خلاف، ثم بنى الثانية على الأولى.

وقوله هذا يتفق مع قوله: (ومن قال: بحصول الإيمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات – سواء جعل فعل تلك الواجبات لازماً له أو جزءاً منه، فهذا نزاع لفظي – كان مخطئاً خطئاً بيناً، وهذه بدعة الإرجاء التي أعظم السلف والأئمة الكلام في أهلها، وقالوا فيها من المقالات الغليظة ما هو معروف، والصلاة هي أعظمها وأعمها وأولها وأجلها) (٢) ا. هـ.

٦ - عد بعض السلف تكفير تارك الصلاة مما يميز أهل السنة عن المرجئة.

قال ابن معين: (قيل لعبدالله بن المبارك: إن هؤلاء يقولون: من لم يصم ولم يصل بعد أن يقر به فهو مؤمن مستكمل الإيمان.

قال عبدالله: لا نقول نحن كما يقول هؤلاء، من ترك الصلاة متعمداً من غير علة، حتى أدخل وقتاً في وقت فهو كافر) (٣).

قلت: جعل ابن المبارك مما يميزه عن المرجئة تكفير تارك الصلاة، وهذا – والله أعلم – لا لعدم تكفيرهم تارك الصلاة، فإنه قول جماعة من الأئمة، وإنما لقولهم: هو مؤمن كامل الإيمان.

وقد يكون كلامه من المنطوق الذي لا مفهوم له، فمن قال بكفر تارك الصلاة فقد باين المرجئة وخالفهم، ولا يعني هذا أن من لم يكفره لم يباينهم.


(١) ((شرح العمدة – كتاب الصلاة)) لابن تيمية (ص: ٨٦).
(٢) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (٧/ ٦٢١).
(٣) رواه محمد بن نصر في ((تعظيم قدر الصلاة)) (٢/ ٩٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>