للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن حجر في شرح الحديث: (فينبغي للمسلم أن يبحث عما جاء عن الله ورسوله، ثم يجتهد في تفهم ذلك والوقوف على المراد به، ثم يتشاغل بالعمل به, فإن كان من العلميات يتشاغل بتصديقه, واعتقاد حقيته، وإن كان من العمليات بذل وسعه في القيام به فعلاً وتركاً) (١).

هذا هو الموقف الصحيح الذي يجب على كل مسلم أن يتخذه مع كتاب ربه عز وجل، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم, التعليم والفهم، ثم التصديق, والعمل, والامتثال.

فبهذا المسلك والمنهج نال السابقون رضوان الله عنهم، وجزاهم ربهم تبارك وتعالى بذلك التوفيق والنصر، والعز في الدنيا، والجنة والنعيم المقيم في الآخرة.

وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله)) (٢).

قال الخطابي رحمه الله في شرح الحديث: (يحذر بذلك مخالفة السنن التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما ليس له في القرآن ذكر، على ما ذهبت إليه الخوارج والروافض، فإنهم تعلقوا بظاهر القرآن، وتركوا السنن التي قد ضمنت بيان الكتاب، فتحيروا وضلوا) (٣).

وقال ابن بطة رحمه الله محذراً المسلمين من شر هؤلاء المنكرين لسنة النبي صلى الله عليه وسلم: (وليعلم المؤمنون من أهل العقل والعلم أن قوماً يريدون إبطال الشريعة, ودروس آثار العلم والسنة، فهم يموهون على من قل علمه، وضعف قلبه، بأنهم يدعون إلى كتاب الله، ويعملون به، وهم من كتاب الله يهربون، وعنه يدبرون، وله يخالفون، وذلك أنهم إذا سمعوا سنة رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواها الأكابر عن الأكابر، ونقلها أهل العدالة والأمانة، ومن كان موضع القدوة والأمانة، وأجمع أئمة المسلمين على صحتها، أو حكم فقهاؤهم بها، عارضوا تلك السنة بالخلاف عليها، وتلقوها بالردِّ لها. وقالوا لمن رواها عندهم: تجد هذا في كتاب الله؟ وهل نزل هذا في القرآن؟ وائتوني بآية من كتاب الله حتى أصدق بهذا) (٤).

فحكم عليهم بخبث النية وسوء الطويَّة، وأنهم يريدون هدم دين الإسلام، وإبطال الشريعة. قال تعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [الصف: ٨].


(١) ((فتح الباري)) (١٣/ ٢٦٣).
(٢) رواه أبو داود (٤٦٠٤) بلفظ: (الكتاب) بدلاً من: (القرآن)، والترمذي (٢٦٦٤)، وابن ماجه (١٢)، وأحمد (٤/ ١٣٠) (١٧٢١٣)، و (٤/ ١٣٢) (١٧٢٣٣). والحديث حسنه ابن حجر في ((هداية الرواة)) (١/ ١٢٩) - كما أشار لهذا في مقدمته -. وقال الألباني في ((تحذير الساجد)): صحيح.
(٣) ((معالم السنن)) (٧/ ٨) ط – دار المعرفة – بيروت.
(٤) ((الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية)) (١/ ٢٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>