للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإمام الشافعي رحمه الله: (لم أسمع أحداً نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم، يخالف في أن فرض الله عز وجل أتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والتسليم لحكمه بأن الله عز وجل لم يجعل لأحد بعده إلا أتباعه، وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن ما سواهما تبع لهما، وأن فرض الله علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, واحد لا يختلف في أن الفرض الواجب قبول الخبر عن الرسول إلا فرقة (١) سأصف قولها إن شاء الله).

وفي الحديث السابق إثبات لحجية السنة، وأنها واجبة الأتباع على كل مسلم.

وفيه ردٌّ صريح على الذين أنكروا حجية السنة قديماً كالرافضة، والمعتزلة وغيرهم، وحديثاً كالقرآنيين، والمستشرقين، وتلاميذهم كأمثال: أبي رية, ورشاد خليفة، وغيرهما.

السنة من الوحي:

تعتبر السنة النبوية جزء من الوحي، قال الله تعالى: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: ٣ - ٤].

وقال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: ٤٤].

وعن حسان بن عطية: قال: (كان جبريل صلى الله عليه وسلم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل القرآن عليه يعلمه إياها كما يعلمه القرآن) (٢).

وقال ابن حزم رحمه الله: (لما بينا أن القرآن هو الأصل المرجوع إليه في الشرائع، نظرنا فيه، فوجدنا فيه إيجاب طاعة ما أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم, ووجدناه عز وجل يقول واصفاً لرسوله: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: ٣ - ٤]. فصح لنا بذلك أن الوحي ينقسم من الله عز وجل إلى رسوله صلى الله عليه وسلم على قسمين:

أحدهما: وحي متلو مؤلف تأليفاً معجز النظام وهو القرآن.

الثاني: وحي مروي منقول, غير مؤلف, ولا معجز النظام, ولا متلو، لكنه مقروء.

وهو الخبر الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المبين عن الله عز وجل مراده منا) (٣).

فالقرآن الكريم، والسنة النبوية من مشكاة واحدة، وهي داخلة في ذلك الوعد الصادق بالحفظ والضمان الأكيد، حيث قال سبحانه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: ٩].

وكان من مظاهر ذلك الحفظ ما نراه ونلمسه من جهود جهابذة السنة الذين بذلوا جهوداً عظيمة لحفظها، والذب عنها, وغربلتها، وتمييز صحيحها من سقيمها، والتأليف في العلوم التي تخدمها.

فكان من آثار هؤلاء الجهابذة ما تزخر به المكتبات الإسلامية – على مدى العصور – من مؤلفات قيمة في السنة وعلومها وشروحها (٤).


(١) لم يبين الشافعي اسم الفرقة التي رد عليها، وقد استظهر الخضري أنه يعني بذلك المعتزلة. انظر: ((تاريخ التشريع الإسلامي)) للخضري (ص: ١٩٧). وانظر: كتاب ((جماع العلم)) للشافعي حاشية (ص: ١١).
(٢) رواه اللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) (١/ ٨٣ - ٨٤)، وأبو داود في ((المراسيل)) (٥٣٨).
(٣) ((الإحكام في أصول الأحكام)) (ص: ٨٧).
(٤) انظر مقدمة محقق كتاب ((النكت على كتاب ابن الصلاح)) (ص: ٨، ٩) تحقيق الدكتور ربيع بن هادي المدخلي طبعة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة ١٤٠٤هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>