ثم استدل بما أخرج البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يدعى بنوح عليه السلام يوم القيامة, فيقول: لبيك وسعديك يا رب, فيقول: هل بلغت؟ فيقول: نعم فيقال لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير, فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته, فيشهدون أنه قد بلغ, ويكون الرسول عليهم شهيداً, وذلك في قوله: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة: ١٤٣]. والوسط: العدل, أى عدولاً خياراً, وخير الأمور الوسط)) (٢).
- وأما ما جاء من أنهم العلماء, أو المغازون, أو أرباب المال والسعة: فهو ما ذكره السفاريني إلا أنه لم يسنده إلى أحد (٣).
- أما ما جاء من أنهم الذين تبارزوا فى يوم بدر: فهو ما أخرج البخاري بسنده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: ((أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة)) (١).
وروى كذلك عن قيس بن عباد وعن أبي ذر عن علي بن أبي طالب أن الآية من قوله تعالى: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [الحج: ١٩]. أنها نزلت في شأن الذين تبارزوا يوم بدر, وهم حمزة, وعلي, وعبيدة – أبو عبيدة – ابن الحارث, وشيبة بن ربيعة, وعتبة, والوليد بن عتبة (٤).
- وأما ما جاء من أنهم جاران: فهو ما روى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ((أول خصمين يوم القيامة جاران)) (١).
ويجمع بين تلك الأقوال:
أن ما صح من تلك الأقوال والروايات فإنه يحمل على أولية مقيدة فى بابها, على أن هذه الروايات التي تقدمت تحتاج إلى نصوص تؤيدها ... وأما بالنسبة للأمم, فقد جاء في السنة أن أول الأمم يقضي الله بينهم هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم, وهذه مزية ومفخرة لهم؛ ليكونوا شهداء على الناس.
ومما ورد في هذا ما أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((نحن آخر الأمم, وأول من يحاسب, يقال: أين الأمة الأمية ونبيها؟ فنحن الآخرون الأولون)) (١).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ((يجئ النبي ومعه الرجلان. ويجئ النبي ومعه الثلاثة, وأكثر من ذلك وأقل, فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم, فيدعى قومه فيقال: هل بلغكم؟ فيقولون: لا, فيقال: من شهد لك؟ فيقول: محمد وأمته, فتدعى أمة محمد, فيقال: هل بلغ هذا؟ فيقولون: نعم, فيقول: وما علمكم بذلك؟ فيقولون أخبرنا نبينا بذلك؛ أن الرسل قد بلغوا فصدقناه قال فذلكم قوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة: ١٤٣])) (١).
وورد عن رفاعة الجهني قال: ((صدرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والذي نفس محمد بيده ما من عبد يؤمن ثم يسدد إلا سلك به في الجنة, وأرجو ألا يدخلوها حتى تبوؤا أنتم ومن صلح من ذراريكم مساكن في الجنة, ولقد وعدني ربي عز وجل أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بغير حساب)) (١).
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنكم وفيتم سبعين أمة, أنتم خيرها وأكرمها على الله)) (١).
فثبت بهذه النصوص أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم هم أول الأمم تحاسب, وأول الأمم تدخل الجنة, وفي هذا يقول الحافظ ابن كثير: (ويكون أو الأمم يقضى بينهم هذه الأمة, لشرف نبيها صلى الله عليه وسلم، كما أنهم أول من يدخل على الصراط, وأول من يدخل الجنة). (١) الحياة الآخرة لغالب عواجي- بتصرف- ٢/ ٩٦٩
(١) رواه الترمذي (٣٠٠١)، وابن ماجه (٣٤٨٠)، وأحمد (٥/ ٣) (٢٠٠٤١)، والحاكم (٤/ ٩٤)، والبيهقي (٩/ ٥) (١٨١٧٢). قال الترمذي: حسن، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (٦/ ١١٢)، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (٨/ ٧٣): حسن صحيح، وله شاهد مرسل رجاله ثقات، وحسنه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).