للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أثبت الله عجزهم عن خلق خلق ضعيف حقير كالذباب مثلاً ولو اجتمعوا على ذلك وتعاونوا عليه، قال عز وجل يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الحج:٧٣ - ٧٤.

٥) ولذلك حرم الله على عباده أن يصوروا الصور ذات الأرواح لما فيها من مضاهاة لخلق الله، أي تشبيه ما يصنعونه ويصورونه من الصور بما يصنعه ويصوره الله كما جاء في رواية مسلم ((الذين يشبهون بخلق الله)) (١).

وقد وردت أحاديث كثيرة في توعد المصورين بأشد العذاب كقوله صلى الله عليه وسلم ((إن أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة المصورون)) (٢)، وقوله صلى الله عليه وسلم ((إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم أحيوا ما خلقتم)) (٣)، وهو أمر تعجيز ويستفاد منه صفة تعذيب المصور وهو أن يكلف نفخ الروح في الصورة التي صورها وهو لا يقدر على ذلك فيستمر تعذيبه. قاله الحافظ (٤).

وجاء في الحديث القدسي قوله تعالى: ((ومن أظلم مم ذهب – أي قصد – يخلق خلقاً كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة)) (٥).

فتحداهم الخالق سبحانه بأن يخلقوا ذرة وهي النملة الصغيرة، ثم زاد في التحدي بأن طلب منهم أن يخلقوا حبة أو شعيرة وهو من الجماد الذي لا حركة فيه نسبياً إذا ما قيس بالنسبة للنمل الذي يتحرك.

وقال بعض الملحدة يوماً: أنا أخلق! فقيل له: فأرنا خلقك؟ فأخذ لحماً فشرحه، ثم جعل بينه روثاً ثم جعله في كوز وختمه ودفعه إلى من حفظه عنده ثلاثة أيام، ثم جاء به إليه فكسر الخاتم وإذا الكوز ملآن دوداً، فقال: هذا خلقي!! فقال له بعض من حضر: فكم عدده؟ فلم يدر، فقال: كم منه ذكور وكم منه إناث، وهل تقوم برزقه؟ فلم يأت بشيء، فقال له: الخالق الذي أحصى كل ما خلق عدداً، وعرف الذكر من الأنثى، ورزق ما خلق، وعلم مدة بقاءه وعلم نفاد عمره، قال الله عز وجل: اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ [الرُّوم: ٤٠] وقال: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [السجدة: ٧] (٦).

وقد قسم النووي – رحمه الله – المصورين إلى ثلاثة أقسام:

أ- من فعل الصورة لتعبد وهو صانع الأصنام ونحوها فهذا كافر وهو أشدهم عذابا.

ب- من فعل الصورة وقصد مضاهاة خلق الله تعالى واعتقد ذلك، فهذا كافر له من أشد العذاب ما للكفار ويزيد عذابه بزيادة قبح كفره.

ج- من لم يقصد بالصورة العبادة ولا المضاهاة فهو فاسق صاحب ذنب كبير ولا يكفر كسائر المعاصي اهـ (٧).


(١) رواه مسلم (٢١٠٧). من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٢) رواه البخاري (٥٩٥٠)، ومسلم (٢١٠٩). من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(٣) رواه البخاري (٥٩٥١)، ومسلم (٢١٠٨). من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(٤) ((الفتح)) (١٠/ ٣٨٤).
(٥) رواه البخاري (٧٥٥٩)، ومسلم (٢١١١). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٦) ((الحجة في المحجة)) (١/ ١٤٣)
(٧) ((شرح مسلم)) (١٤/ ٩١)، وانظر: ((الفتح)) (١٠/ ٣٨٣ - ٣٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>