للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون: ١ - ١١] وقال الله تعالى: طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [النمل: ١ - ٣] وغيرها من الآيات وقد فسر الله تعالى الإيمان بذلك كله في قوله تعالى لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: ١٧٧] ... وفسره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كله في حديث وفد عبد القيس في الصحيحين وغيرهما فقال: ((آمركم بالإيمان بالله وحده قال أتدرون ما الإيمان بالله وحده قالوا الله ورسوله أعلم قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تؤدوا من المغنم الخمس)) (١) وقد جعل صلى الله عليه وسلم صيام رمضان إيمانا واحتسابا من الإيمان وكذا قيام ليلة القدر وكذا أداء الأمانة وكذا الجهاد والحج واتباع الجنائز وغير ذلك وفي الصحيحين: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)) (٢). وهذه الشعب المذكورة قد جاءت في القرآن والسنة في مواضع متفرقة منها ما هو من قول القلب وعمله ومنها ما هو من قول اللسان ومنها ما هو من عمل الجوارح.

ولما كانت الصلاة جامعة لقول القلب وعمله وقول اللسان وعمله وعمل الجوارح سماها الله تعالى إيمانا في قوله تعالى: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة: ١٤٣] يعني صلاتكم كما يعلم من سبب نزول هذه الآية ... والآيات والأحاديث في هذا الباب يطول ذكرها وإنما أشرنا إلى طرف منها يدل على ما وراءه وبالله التوفيق .........

(الحالة الثانية) أي يطلق الإيمان مقرونا بالإسلام وحينئذ يفسر بالاعتقادات الباطنة كما في حديث جبريل هذا وما في معناه وكما في قوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ [النساء: ٥٧] في غير موضع من كتابه وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الجنازة: ((اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان)) (٣) وذلك أن الأعمال بالجوارح وإنما يتمكن معها في الحياة فأما عند الموت فلا يبقى غير قول القلب وعمله ... والحاصل أنه إذا أفرد الإسلام والإيمان بالذكر فلا فرق بينهما حينئذ بل كل منهما على انفراده يشمل الدين كله وإن فرق بين الاسمين كان الفرق بينهما بما في هذا الحديث الجليل والمجموع مع الإحسان هو الدين كما سمى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك كله دينا وبهذا يحصل الجمع بين هذا الحديث وبين الأحاديث التي فيها تفسير الإيمان بالإسلام والإسلام بالإيمان وبذلك جمع بينه وبينها أهل العلم. معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي - بتصرف - ص٧٤٥


(١) رواه البخاري (٥٣)، ومسلم (١٧). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٢) رواه البخاري (٩)، ومسلم (٣٥) واللفظ له. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) رواه أبو داود (٣٢٠١)، والترمذي (١٠٢٤)، وابن ماجه (١٤٩٨)، وأحمد (٢/ ٣٦٨) (٨٧٩٥)، والحاكم (١/ ٥١١). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وله شاهد صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي في ((التلخيص)). وقال الألباني في ((أحكام الجنائز)) (ص١٢٤): وهو كما قالا. وصححه أيضاً في ((صحيح سنن أبي داود)).

<<  <  ج: ص:  >  >>