للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنبيه: قول الأشاعرة السابق عن الآبي، وكفره في الدارين، يدل على خطأ من ألزمهم القول بإيمان أبي طالب؛ لأنه مصدق. قال البيجوري: (وأما الآبي بأن طُلب منه النطق بالشهادتين، فأبى، فهو كافر فيهما، ولو أذعن في قلبه، فلا ينفعه ذلك ولو في الآخرة) (١).

وقد سبق – عن أهل السنة- أن من لم ينطق بالشهادتين مع القدرة وعدم المانع فهو كافر ظاهرا وباطنا. فقول اللسان ركن في حقيقة الإيمان- وليس شرطا لإجراء الأحكام في الدنيا فقط- بل لا يُتصور وجود الإيمان بدونه إلا في حال العذر كالخرس، فتقوم الإشارة مكانه. وأما الخوف فليس مانعا من النطق به؛ إذ لا يشق النطق به سرا.

وبالجملة فحيث قام الإيمان بالقلب امتنع ألا يتكلم بالشهادتين مع القدرة، ولا عبرة في هذا بقول جهم ولا من وافقه.

وأما عمل الجوارح: فهو شرط كمال الإيمان عندهم.

قال في إتحاف المريد: (وقوله: (كالعمل): تشبيه في مطلق الشرطية، يعني أن المختار عند أهل السنة في الأعمال الصالحة أنها شرط كمال للإيمان، فالتارك لها أو لبعضها من غير استحلال ولا عناد ولا شك في مشروعيتها مؤمن فوَّت على نفسه الكمال، والآتي بها ممتثلا محصل لأكمل الخصال) (٢).

وقال الصاوي: (لأن المختار عند أهل السنة أن الأعمال الصالحة شرط كمال للإيمان) (٣). الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل وكشف شبهات المعاصرين لمحمد بن محمود آل خضير – ١/ ٢٣١


(١) ((شرح البيجوري على الجوهرة المسمى بتحفة المريد)) (ص٤٥). وسيأتي تصريح الصاوي بأن أبا طالب كان يشهد للنبي صلى الله عليه وسلم بالصدق، من غير إذعان، فكان كافرا. انظر: هامش (ص٢٤٨) وقد ذهب بعض المتكلمين والمتصوفة إلى القول بإيمان أبي طالب، واعتمدوا في ذلك على حجج واهية، زاعمين أن امتناع أبي طالب عن النطق بالشهادة لم يكن إباء، وهو مخالف لما جاء في الصحيحين: (( ... حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وأبى أَنْ يَقُولَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ)) رواه البخاري (٤٧٧٢) ومسلم (٢٤). وروى مسلم (٢٥) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمِّهِ: ((قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) قَالَ: لَوْلا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ يَقُولُونَ: إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَزَعُ لأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ. فأنزل الله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ. قال النووي: (وأما قوله عز وجل): إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ فقد أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبى طالب، وكذا نقل إجماعهم على هذا الزجاج وغيره) انتهى من ((شرح صحيح مسلم)) (١/ ٢١٥). وإذا انتفت عنه الهداية في هذا الموطن، ومات على ذلك، فكيف يقال بنجاته!
(٢) ((إتحاف المريد)) (ص٩٢) وما بعدها، وانظر: ((شرح البيجوري)) (ص٤٥، ٤٩، ٥١). وقوله: (المختار عند أهل السنة ... ) يعني الأشاعرة. ولا شك أن قولهم بأن العمل شرط كمال، هو من جملة ما خالفوا فيه أهل السنة، بل العمل ركن وجزء في الإيمان، لا يصح بدونه، كما سيأتي إيضاحه مفصلا في الباب الثالث إن شاء الله.
(٣) ((شرح الصاوي على الجوهرة)) (ص١٣٢). وسيأتي في الفصل الثاني من الباب الرابع، ذكر نقولات أخرى عن الأشاعرة في أن العمل شرط كمال للإيمان، وذلك في جواب الشبهة الخامسة من الشبهات العقلية.

<<  <  ج: ص:  >  >>