للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودعا قومه إلى هذه الضلالة الكبرى فاستجابوا له فعاقبهم جميعاً، قال تعالى: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ [الزخرف: ٥٤ - ٥٦]. وقال: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى [النَّازعات: ٢٦].

وإهلاك الله سبحانه لفرعون وقومه عبرة لكل ظالم متكبر من ملوك الأرض، تفرعن على الناس فيما آتاه الله من ملك، وظن أنه مخلد، ونسي أن ملكه زائل وأن إقامته في ملكه مؤقتة وأن الموت مدركه لا محالة، قال تعالى منبهاً عباده إلى ذلك وَللهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ المَصِيرُ [المائدة: ١٨].

٢ - وإذا كان الملك المطلق إنما هو لله وحده لا شريك له، فالطاعة المطلقة إنما هي له وحده لا شريك له، لأن من سواه من ملوك الأرض إنما هم عبيد له وتحت إمرته.

فلا بد من تقديم طاعة الملك الحق على طاعة من سواه وتقديم حكمه على حكم غيره، لأن طاعته سبحانه أوجب من طاعة غيره بل لا طاعة لأحد إلا في حدود طاعته، أما في معصيته فلا سمع ولا طاعة.

٣ - عدم جواز التسمية بملك الملوك:

وقد ورد في ذلك الحديث المتفق عليه حديث سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أخنع اسم عند الله – وقال سفيان غير مرة: أخنع الأسماء عند الله – رجل تسمى بملك الأملاك)) (١) وفي رواية ((أخنى الأسماء يوم القيامة ... )) (٢).

قال سفيان: يقول غيره (أي غير أبي الزناد)) تفسيره شاهان شاه (٣).

ومعنى أخنع: أوضع اسم وأذله. قال أبو عبيد: الخانع الذليل، وخنع الرجل ذل. قال ابن بطال: وإذا كان الاسم أذل الأسماء كان من تسمى به أشد ذلاً.

ومعنى أخنى: أي أفحش اسم من الخنا وهو الفحش في القول.

وجاء في رواية مسلم: ((أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه وأغيظه عليه)) (٤).

قال ابن حجر: واستدل بهذا الحديث على تحريم التسمي بهذا الاسم لورود الوعيد الشديد ويلتحق به ما في معناه مثل خالق الخلق وأحكم الحاكمين وسلطان السلاطين وأمير الأمراء (٥) ...

وقال ابن القيم رحمه الله:

ولما كان الملك الحق لله وحده، ولا ملك على الحقيقة سواه، كان أخنع اسم وأوضعه عند الله، وأغضبه له اسم (شاهان شاه) أي: ملك الملوك، وسلطان السلاطين، فإن ذلك ليس لأحد غير الله، فتسمية غيره بهذا من أبطل الباطل، والله لا يحب الباطل.

وقد ألحق بعض أهل العلم بهذا (قاضي القضاة) وقال: ليس قاضي القضاة إلا من يقضي الحق وهو خير الفاصلين، الذي إذا قضى أمراً فإنما يقول له: كن فيكون (٦).

٤ - الله سبحانه مالك يوم الدين وملكه:

فالملك في ذلك اليوم العظيم لله وحده لا ينازعه فيه أحد من ملوك الأرض وجبابرتها، قال تعالى: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: ٤].

وقال تعالى: وَلَهُ المُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ [الأنعام: ٧٣].

وقال تعالى: المُلْكُ يَوْمَئِذٍ للهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ [الحج: ٥٦].

وقال تعالى: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ [الفرقان: ٢٦].

وقال تعالى: يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ [غافر: ١٦].

وقد جاء ما يبين ذلك من السنة الشريفة:


(١) رواه البخاري (٦٢٠٦)، ومسلم (٢١٤٣).
(٢) رواه البخاري (٦٢٠٥).
(٣) رواه البخاري بعد حديث (٦٢٠٦).
(٤) رواه مسلم (٢١٤٣). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٥) ((الفتح)) (١٠/ ٥٩٠).
(٦) ((الزاد)) (٢/ ٣٤٠ - ٣٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>